البرنيطة التي لم نصل إليها … والدرس الذي لم نتعلّمه

 

 

ماهين شيخاني

” عن التعاون والتعطيل… وسؤال المصير في البيت الكردي ,,

 

في نهاية عهد الانتداب البريطاني على إحدى الدول العربية، خطرت لأحد الإداريين الإنجليز فكرة بسيطة تحمل عمقًا بالغًا في دلالاتها. وضع برنيطته على نافذة عالية، ثم نادى مجموعة من الموظفين المحليين قائلاً إن “جائزة ثمينة” تنتظر من يستطيع الوصول إليها. ما حدث لاحقًا كان مخيبًا: بدلاً من التعاون، تصارع الموظفون، وكلما اقترب أحدهم من الهدف، سحبه الآخرون إلى الأسفل.

وبعدما أنهكهم الصراع، صعد الإداري الإنجليزي بهدوء، تناول البرنيطة بعصاه، وقال عبارته الخالدة: “لم تكن هناك جائزة، بل اختبار… وقد فشلتم لأنكم لا تتعاونون على النجاح، بل على التعطيل”.

قد تبدو هذه الحكاية حيلة إدارية ذكية، لكنها في جوهرها مرآة لواقعنا نحن الكرد، من كوردستان العراق إلى روژآڤايي كوردستان. فبرغم ما مررنا به من نضالٍ مرير، وما قدمناه من تضحيات لا تُحصى، ما زلنا نُخفق في تجاوز الانقسام، وما زلنا نُكرر الخطأ ذاته: نتصارع بدل أن نتعاون.

 

في كوردستان العراق، ورغم وجود تجربة الفيدرالية عمرها عقود، إلا أن الانقسام الحزبي والمؤسساتي بين القوى السياسية الكبرى جعل من حلم الدولة الكردية أقرب إلى شعار يُرفع لا مشروع يُبنى. ملفات النفط، العلاقات مع بغداد، قضايا كركوك والمناطق المتنازع عليها… كلها مرهونة باتفاق لم يأتِ بعد، ليس بسبب الخارج فقط، بل لأن الداخل لم يتّفق على من يحمل البرنيطة!

 

أما في روژآڤايي كوردستان، فالصورة أكثر إيلامًا. الكرد هناك واجهوا تنظيم “داعش” وانتصروا، أقاموا إدارات ذاتية وحققوا نموذجًا يُحتذى في بعض النواحي، ولكنهم في المقابل لم ينجحوا في ترتيب بيتهم الداخلي.

مبادرات الحوار الكردي – الكردي تتعثر باستمرار، والشكوك بين الأطراف تحوّلت إلى جدران صلبة، وكل طرف يُمسك بساق الآخر عند أول محاولة للارتقاء. وكأننا نعيد مشهد الموظفين الذين ظنوا أن إسقاط الآخر هو طريق الفوز!

 

ما ينقصنا اليوم ليس الشجاعة ولا العزيمة، بل الرؤية والإيمان بالمشروع الجمعي.

لو آمنّا بأن البرنيطة — كرمز للحرية والإدارة الذاتية والمشروع الوطني — لا يمكن أن تُحمل من قبل فرد أو حزب أو تيار وحده، بل من قِبل الجميع… لربما كنا اليوم أقرب إلى الحلم الكردي.

الخاتمة:

اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، يحتاج الشعب الكردي إلى أن يتحرّر من عقدة التعطيل المتبادل.

لقد آن أوان الاعتراف بأن أحدنا لن يبلغ البرنيطة وحده، بل إن كل يد تُمد للأعلى يجب أن تلاقيها عشرات الأيادي دفعًا ودعمًا لا جذبًا للأسفل.

إذا أردنا أن نبني مستقبلًا يليق بتضحياتنا وشهدائنا، فعلينا أن نختار التعاون طريقًا، والتواضع سلاحًا، والوحدة بوصلتنا.

إن البرنيطة ليست مجرد هدف، بل رمزٌ لمصير نقرّره نحن، أو يُقرّر عنّا إلى الأبد.

 

قد يعجبك ايضا