التشريعات العراقية القديمة لحماية التراث العراقي

محمد سليم المزوري

منذ عام 1532 وحتى عام 1868 لم يكن هناك اي اهتمام يذكر بالاثار في الامبراطورية العثمانية, فقواعد الملكية العامة كانت تخضع الى تطبيق احكام الشريعة الاسلامية, وهذه كما هو الحال في الديانات الاخرى, لا تميز بين احكام ملكية الاراضي والممتلكات التي هي تحت الارض, فمالك الارض كان يعتبر في نفس الوقت مالكا لجميع الكائنات التي هي تحت ارضه, وكان للمالك الحق في اجراء التنقيبات على ارضه والتصرف بجميع ما يتم العثور عليه من اثار او ثروات اخرى تطبيقا للقاعدة ( كل من ملك ارضا صار مالكا ما فوقها وما تحتها).
في اوائل القرن التاسع عشر شجعت مجموعة من الظروف على الاهتمام بالاثار, من بينها التنمية الصناعية والاقتصادية في الدول الغربية, وهذه الفترة تميزت بمشاركة اجنبية قوية لاجراء التنقيبات في هذه المناطق, ولا سيما في العراق, بسبب الاثار العديدة والثمينة التي يمتلكها, والتي يعود تاريخها الى العهود السومرية والبابلية. فكانت اجازات التنقيب تمنح بمرسوم مكتوب من قبل السلطان العثماني تعرف باسم (الفرمان) الذي يخول هذه الجهات الراغبة بالتنقيب بالحفر في اماكن معينة.
ان اقبال الاثاريين الاجانب على التنقيب عن الاثار قد دفع السكان المحليين ولا سيما الذين يسكنون في مناطق المواقع الاثرية الى اجراء العديد من التنقيبات الغير مشروعه للحصول على اللقى الاثرية وبيعها فيما بعد الى هؤلاء الاجانب, في مقابل مبالغ مغرية مما ادى منطقيا الى توسيع نطاق الحفر غير المشروع وتهريب الاثار الى خارج البلاد. حيث قاد ذلك الى خروج كميات كبيرة من الاثار النفيسة التي وجدت طريقها الى المناطق الاوربية والامريكية اضافة الى تدمير الكثير من المعالم الاثرية المهمة.
ان من اهم المتاحف التي توجد فيها الان الاثار العراقية هي : المتحف البريطاني في لندن, متحف اللوفر في باريس, متحف برلين, المتحف الاثاري في زيورخ, متحف( البرنس اوف ويلس) في بومباي, متحف المتروبوليتان والجمعية التاريخية في نيويورك, متحف بوسطن للفنون الجميلة, كلية بودوان ومتحف كليفلاند للفنون وكليتا (يونيان ووليامز) في امريكا, ومتحف الفنون الجميلة في جامعة بيل في امريكا وغيرها…الخ.
ان هذه الاسباب دفعت الدولة العثمانية الى التفكير لحماية هذه الاثار بصورة جدية من خلال اصدار قوانين او انظمة خاصة في هذا الصدد, ولا سيما بعد انشاء اول متحف في اسطنبول, والذي عرف باسم (متحف الهمايوني) في سنة 1884.
لقد كانت المراحل الاولى من عمل السلطات العثمانية هو سن احكام جديدة متعلقة في باديء الامر بالاراضي الاميرية, بسبب عائديتها الى الدولة, مما يسهل معه التدخل في شؤونها دون اعتراض, حيث لم تكن موضوع حق ملكية فردية, بل كانت تعتبر ملكا للسلطان العثماني ومتروك للافراد حق الانتفاع بها فقط.
لذلك قامت بتنظيم شامل للاراضي الاميرية بمقتضى قوانين مختلفة, اولها قانون 21 نيسان سنة 1868, والذي تضمن عدة احكام جديدة نصت بعضها على اعتبار هذه الاراضي من املاك الدولة العامة ولا يمتلك صاحب سطح الارض اي حق فيها, ويقتصر حقه على الحصول على تعويض عن الاضرار الناجمة عن حرمانه من الانتفاع بها نتيجة اعمال التنقيب او الاستغلال.
ثم في وقت لاحق من السنة التالية تم اصدار احكاما مفصلة عن الاثار وبصورة مستقلة في شكل انظمة خاصة, فاصدر اول نظام حول الاثار القديمة في آذار من عام 1869, تضمن هذا النظام فقط سبعة مواد عالجت بعض المواضيع الهامة, على سبيل المثال بالنسبة الى نظام الملكية فقد نص على ان جميع الاثار المكتشفة في الملكية الخاصة تكون ملكا لصاحب الارض.
واوجب النظام الحصول على ترخيص رسمي من خلال ارسال طلب للتنقيب عن الاثار الى وزارة المعارف العامة, ومنع النظام تصدير الاثار الى الخارج بالنسبة الى الاشخاص الذين ينفذون عمليات التنقيب في الامبراطورية العثمانية, مع ذلك لهم الصلاحية في بيع هذه القطع الاثرية داخل الدولة العثمانية سواء الى الافراد او الى الدولة متى ما طلبت ذلك. من الواضح ان هذا التنظيم كان مقتضبا جدا ويفتقر الى الاشارة الى العديد من النقاط المهمة خصوصا فيما يتعلق بتعريف الاثار.
وفي وقت لاحق تم اصدار احكام اكثر تفصيلا حول الاثار في شكل نظام في 24 آذار 1874, وكان هذا النظام يتالف من اربعة فصول متضمنا ما يقارب 36 مادة نظمت اكثر المسائل المتعلقة بالاثار. وعلى سبيل المثال تعريف الاثار في المادة (1) من هذا القانون نصت (جميع القطع الفنية التي يرجع تاريحها الى العصور القديمة تعد من الاثار). وقسمت المادة الاثار الى فئتين, الاولى تشمل القطع المعدنية بينما تتضمن الفئة الثانية جميع الاشياء الاخرى القابلة للنقل او الثابتة.

قد يعجبك ايضا