بمناسبة يوم الصحافة الكُردية

 

 

إعداد : ماهين شيخاني

 

إن محرري المجلة جلادت وشقيقه العالم المشهور والشخصية الاجتماعية – كاميران بد رخان – كان بروفسور في باريس ( توفي في عام 1979 ) اعتبرا من إحدى وظائفهما نشر الأبجدية اللاتينية بعد أن اجروا عليها بعض التعديلات ولعبت المجلة دورا إيجابيا ومميزا في نشر هذه الأبجدية التي تتناسب مع فونوتيكية اللغة الكردية ، كما أرست أيضا أركان اللغة الكردية المعاصرة وأولى المحرران انتباها فائقا إلى مسألة أتقان وجودة اللغة الكردية الأدبية وتحريرها من الكلمات الأجنبية وفق القوانين اللغوية وأضحت هذه المسألة في الثلاثينيات مدار نقاش ومعالجة حادتين لأنها كانت ذات صلة غير مباشرة بظاهرة التثقيف واقتراب الأدب من الجماهير الشعبية .

 

نشرت (( هاوار )) غالبا باللهجتين الشمالية والجنوبية نتاجات شعرية كلاسيكية ومعاصرة وفلكلورية وقدمت تحليلات عن مستوى الأدب الكردي المعاصر ثم ناقشت بعمق قضايا ثقافية مختلفة . أما مجلة (( كلاويژ )) الشعري – وهي مجلة أدبية شهرية صدرت باللهجة الجنوبية في بغداد منذ كانون الأول عام 1939 إلى آب عام 1949م فقد كانت أعدادها قد بلغت عندما أغلقتها الحكومة العراقية ( 105) أعداد . ساهم في هيئة تحريرها المثقفون الحياديون وأعضاء الأحزاب العراقية التقدمية فكانت المجلة تمثل النخبة الطليعية للمجتمع الكردي ، وتجنبت توجيه انتقاداتها ضد الحكومة لتثبت لها أنها ليست مجلة سياسية ، وكان رئيس تحريرها الشاعر والقاص الكردي إبراهيم احمد .

كتبت المجلة للجماهير الكردية عن جوانب متباينة لحياة الشعب الكردي ولعبت (( كلاويژ )) دورا مرموقا في تنشيط الحركة الأدبية ، حيث ظهر في كل عدد منها نماذج من الأدب الكردي الكلاسيكي وقصائد شعرية وأعمال نثرية لأدباء معاصرين كما أعطت هيئة تحرير المجلة أهمية فائقة للأدب العالمي التقدمي فنشرت باستمرار ترجمات المؤلفين الروس والأوروبيين الغربيين واحتلت المؤلفات المشهورة للأدباء الروس من أمثال (.تولستوي – أز تشيخوف ، م .غوركي ) على صفحاتها مقعد هاما . إن هذه الترجمات وغيرها لأدباء بارعين قد أثرت ، بلا ريب تأثيرا ايجابيا في تطور القصة والرواية الكردية الحديثة .

 

سارت المجلة على نهجها السياسي دون تحفظ بعد الحرب العالمية الثانية وواظبت على النضال من أجل الأفكار الأممية ، كما ألقت الأضواء بموضوعية على الأوضاع الداخلية في الاتحاد السوفييتي ، وهي الأوضاع التي لم يكن يعرف عنها الشعب الكردي ألا النذر اليسير ، ولهذه الأسباب بالذات بدأت الزمرة العراقية الرجعية في عام 1949 مدعومة من الإمبريالية الإنكليزية والأمريكية الهجوم على القوى العراقية الديمقراطية وأوقفت إصدار مجلة (( كلاويژ )) (( ده‌نگى گيتى تازه‌ )) صوت العالم الجديد – مجلة اجتماعية سياسية أدبية شهرية أسسها القنصل الإنكليزي في أكتوبر عام 1943 باللهجة الجنوبية الكردية وكانت المجلة علميا لسان حال الحلفاء المحاربين ضد الفاشية ثم نشرت المجلة بصورة عامة موادا حول الأحداث الدولية وبما أنها كانت تصدر من قبل الإنكليز ، فقد بان واتضح فيها دور انكلتره في النضال ضد ألمانيا الهتلرية .

 

 

ويجب القول إن الكتابة حول الأحداث السياسية والحربية ونشر الوثائق الدبلوماسية على صفحات المجلة ساعد في أغناء اللغة الكردية وخاصة من ناحية بناء وتركيب مصطلحات جديدة .

 

وكان أعضاء أسرة تحرير (( ده‌نگى گيتى تازه )) مؤلفة من العالم الكردي المشهور واللغوي والمؤرخ توفيق وهبي ، ومؤرخ الصحافة حسين حزني موكرياني وهما عالمان بارزان في ميدان الدراسات الكردية وشخصيتان اجتماعيتان تقدميتان . ظهرت في المجلة بشكل واسع مسائل تطور الثقافة الكردية ، وأساليب تنويرية للشعب الكردي ، واحتل الأدب الكردي فيها مكانا لائقا كمؤلفات الأدباء الكلاسيكيين والمعاصرين ، ومقالات أدبية وفلكلورية وترجمات عن العربية والفارسية والأدب الأوروبي الغربي ، كما نشرت المجلة مقالات اتنوغرافية فمنها ملاحظات وذكريات الرحالة الإنكليز ، وللعلماء المستشرقين عن الكورد ثم درست المجلة على صفحاتها مشكلة تطور اللغة الأدبية الكردية .

 

عقب الحرب العالمية الثانية انتقلت إدارة تحرير المجلة إلى المحامي الكردي فائق توفيق ، وبدأت (( ده‌نگى گيتى تازا ) تصدر أحيانا كجريدة وأحيانا أخرى كمجلة .

 

كرست (( ده‌نگى گيتى تازا )) في هذه السنوات على صفحاتها مكانا واسعا للأدب الكردي ، ولاسيما لنتاجات أدبية باللهجة الكورانية وحرر القسم الأدبي في المجلة الأديب والمترجم جميل باندي روژبياني – وفي عام 1947 أغلقت السلطة العراقية هذه المجلة أيضا أما مجلة : (( روناهي )) النور – أسبوعية صادرة في عام 1943 من قبل العالم الكردي المشهور والشخصية الاجتماعية البارزة – كاميران بدر خان – فقد كانت اجتماعية ، سياسية ، أدبية وعلمية ، صدرت في دمشق باللغة الكردية وبلهجتها الشمالية ، كما نشر في كل عدد منها قسم ضئيل باللغة الفرنسية وحررت المجلة بغزارة مقالات عن دول وشعوب الشرق الأوسط ولاسيما الكورد ، وكان النهج السياسي لمجلة (( روناهى )) تمثلها أيديولوجية البرجوازية الكردية الصغيرة التي استغلت فرصة الظروف القائمة أثناء الحرب العالمية الثانية في الشرق الأوسط من أجل نيل حرية كردستان كما كانت المجلة تتحدث عن وقائع الحرب التي كانت تعلنها دول الحلفاء وخاصة الدولة الفرنسية منها ثم أولت المجلة اهتماما بالغا بالأدب المعاصر والفلكلور الكرديين حاول المحررون فيها تقديم جميع موادهم إلى عدد أكثر وأوفر من القراء ، وذلك من خلال لغة كردية سلسة , استمر إصدار المجلة بعد الحرب العالمية الثانية، وفي عام 1947 توقفت المجلة عن الإصدار.

 

 

والجريدة الاجتماعية السياسية والأدبية: (( كردستان )) لسان حال الحزب الديمقراطي الكردستاني صدرت باللغة الكردية وبلهجتها الجنوبية في مهاباد عاصمة جمهورية كوردستان وخرج العدد الأول منها إلى النور في 11 كانون الثاني عام 1946 وبعد انتكاسة الانتفاضة الكردية ، وانهيار جمهورية كوردستان عام 1947م ، باتت الجريدة الناطق الرسمي السري للحزب الديمقراطي الكردستاني منذ عام 1947 تعززت العلاقة السياسية بين الوطنيين الكورد والأذربيجانيين المهاجرين ،وكاستمرار الجريدة(( كردستان )) بدأت تصدر جريدة :

(( كردستان – أذربيجان )) باللغتين الأذربيجانية والكردية ، حيث طبع العدد الأول منها في 6 كانون الأول عام 1947 وبلغ مجموع أعدادها ( 1337) عددا إن هذه الجريدة كانت إحدى الصحف الكردية الدورية الأكثر أهمية حيث نشرت الأخبار الثقافية والسياسية الجديدة في جميع أجزاء كردستان وفضحت سياسة الإمبريالية ومواقفها ومؤامراتها إزاء دول الشرق الأوسط وذلك بالاتفاق مع السلطات الرجعية التركية والإيرانية والعراقية ضد النضال الديمقراطي والحركة القومية التحررية في الشرق ، وحررت الجريدة مواد أدبية منها القصائد السياسية ومقالات وقصص منوعة كان أغلبها يتميز بالطابع الدعائي توقفت جريدة (( كردستان – أذربيجان )) عن الظهور في آذار عام 1961م وذلك عندما انعقد كونفرانس لثلاثة أحزاب سياسية إيرانية ، توحد فيه الحزب الديمقراطي الأذربيجاني مع الحزب الشعبي الإيراني (( تودا ) أما المجلة الأدبية الشهرية :

 

(( هيوا )) الأمل – الصادرة في بغداد حتى انقلاب 8 شباط عام 1963 كلسان حال (( منتدى التقدم للكورد )) فقد حررت باللغة الكردية وبلهجتها الجنوبية، في البداية حررتها نخبة برجوازية كردية، وكانوا أعضاء في البرلمان العراقي ، ولهذا ابتعدت مجلة ( هيوا ) عن الحياة السياسية في البلاد وبحثت الأمور الثقافية والأدبية بحدود ضيقة ، بالرغم أن هيئة تحريرها حاولت تقليد المجلة الكردية الشهيرة (( كلاويژ )) ونشرت مواضيع كردية أدبية نادرة .

 

لكن المجلة تحولت بعد ثورة 14 تموز عام 1958 إلى لسان القوى الكردية التقدمية للمثقفين الذين دعموا نضال الشعبين الكردي والعربي من أجل الديمقراطية والتقدم الاجتماعي ، إلا أن ملاحقة القوى الديمقراطية والتقدمية في البلاد ، وقد بدأت في عام 1961 ، تركت آثارا سلبية على السمة العامة للمجلة وبالتالي أصبح إصدارها في الآونة الأخيرة بصورة ليست منتظمة .

 

أما المجلة الأدبية النقدية الشهرية : (( شفق )) الفجر – فقد تأسست في كانون الأول عام 1958 بمدينة كركوك باللغتين العربية والكردية على يد مجموعة من المثقفين التقدميين الكورد . أمثال الأديب الكردي ( إبراهيم احمد ) وساهم في تحريرها أيضا الأديب معروف برزنجي والمحامي عبد الصمد خانكا والمعلم عمر عارف والدكتور معروف خزندار والعقيد المتقاعد عبد القادر البرزنجي.

 

وقد أفسحت السمة الكيفية التي تمتعت بها المجلة مكانا واسعا للأدب ونظريته ونشرت بشكل مستمر نتاجات الأدباء والشعراء الكورد وكرست المجلة بصورة خاصة صفحاتها للنثر الكردي ، ولاسيما القصة منه كما كافأت المجلة مرارا على أفضل قصة رأت الحياة على صفحاتها استطاعت المجلة وبهذا الأسلوب أن تلعب دورا إيجابيا ملموسا في تطور الأدب الكردي الحديث .

 

وبعد ثورة 14 تموز في عام 1958، أضحت المجلة اجتماعية وسياسية ثم انتقلت هيئة التحرير في عام 1961 إلى السليمانية كان دور الصحافة الكردية واضحا في الظروف الاجتماعية والسياسية المميزة لحياة الكورد ، فقد قدمت الجرائد والمجلات الكردية خدمة جليلة في تنوير الجماهير الكوردية وكانت بالنسبة لهم ألف باء وكتابا تعليميا وتدريسيا ، لأن الأطفال لم يكونوا يتعلمون باللغة الأم في المدارس ( باستثناء بعض المدارس في العراق التي درست فيها بعض المواد باللغة الكردية )) وبما أن هيئات تحرير الصحافة أدركت الوظيفة الأساسية لدورياتها وهي تطوير الثقافة القومية وصقلها على صفحات المجلات والجرائد ، فأنها حررت بصورة منتظمة مخطوطات لنتاجات الكلاسيكيين الكورد في مقدمة صحافتها كما أمست الجرائد والمجلات منبرا للشعراء والأدباء المعاصرين ، ولأول مرة ظهرت على صفحات الصحافة المقالات النقدية للأدب الكردي المعاصر كانت الجرائد والمجلات الكردية الوسيلة الأولى لتعريف الأدب الأجنبي بالقراء الكورد ، حيث نشرت فيها ترجمات أوروبية خلال اللغة التركية ، بيد أنه في بداية القرن العشرين أصبحت الترجمة عبر اللغة الإنكليزية ولذلك يرتدي تعريف الأدب الأوروبي بالكورد أهمية بالغة بالنسبة لهم ، حيث وسع الآفاق وطور اللغة الأدبية والطرائق الفنية الجديدة لديهم وبلا ريب كان دور الصحافة على الصعيد الاجتماعي مهما للغاية أيضا لأنها كانت ناطقة ومعبرة عن آمال قومية واجتماعية للشعب الكردي وعن نضاله لنيل الحرية.

 

وإن الثقافة الكردية استطاعت التوصل والتقدم فهي تقف اليوم على قدميها على مستوى المنطقة الكردية وعلى المستوى العالمي بشكل عام ، وذلك من خلال الإصدارات التي تزيد عددها عن ( 50) مطبوع من مجلات وصحف ودوريات ثقافية وكتب وأبحاث ، هذا التوسع الأفقي الذي طرأ على الواقع الثقافي الكردي يمثل مؤشرا صحيا ومشجعا لحدوث وبروز توسع عمودي مقابل – المسألة جدلية- فالتخصص بدأ يتبلور في كردستان وهناك في الأفق القريب توجه تخصصي كردي آتي، ولذلك فنحن نلمس صدور مجلات ومطبوعات تخصصية كالمجلات المتخصصة في الآثار والأدب والبحث الأكاديمي والأطفال والكاريكاتير ، ومجالات أخرى عديدة ستطرح نفسها بقوة على الساحة الثقافية بدون شك

 

بعيدا عن المبالغة ومنذ المرحلة التي تبلورت في التوجه العالمي الجديد نحو القضية الكردية والتي ماتزال مستمرة حتى يومنا هذا هي مرحلة تفاؤلية في الصميم وتبشر بحدوث تطورات ثقافية باتجاه أفق ثقافي كردي مفتوح هذا من الناحية الصحافية أما من الناحية الإعلامية فهناك العشرات من القنوات التلفزيونية والإذاعية المنتشرة في مدن كردستان يعمل فيها العشرات من الكتاب والصحافيين والمخرجين والمذيعين والفنانين والمعدين وهذا الواقع يمثل كينونة إضافية لرفد العملية الثقافية الكردية باتجاه كادر إعلامي متخصص ، وهذا يؤدي لحدوث تطور في البناء الثقافي وعلينا أن نتسلح بالعلم والأمل والتفاؤل وبالنظر إلى المستقبل بعين باسمة ونفس متطلعة .

 

المصدر: موجز عن تاريخ الأدب الكردي المعاصر للدكتور : معروف خزندار – الترجمة عن اللغة الروسية الدكتور عبد المجيد شيخو في الثاني والعشرين من نيسـان الجاري يحيي الشعب الكـردي يوم الصحافة الكـردية المتزامن مع يوم صدور أول جريدة كردية في العام 1898 في القاهرة ، التي رأت النور بجهود وإرادة الأمير مقداد مدحت بدرخان ، الذي اسـتطاع بوعيه وتنوره أن يدرك مدى أهمية إطلاع العالم على أوضاع الشعب الكردي عبرصوت ووسيلة إعلامية كردية .

لقد كرس البدرخانيون بشكل عام منذ أواخر القرن التاسع عشر جهوداً جبارة لخدمة الشعب الكردي وقضيته في المجالين الثقافي والإعلامي ، وإذا كان مقداد مدحت بدرخان صاحب أول صحيفة كردية ، فإن أسماء بدرخانية أخرى تبرز بقوة في مجال الثقافة و الإعلام كالأمير جلادت بدرخان والأمير كاميران بدرخان حيث كان لهم الفضل الكبير في نشر الثقافة الكردية عبر النشرات والمجلات والمؤلفات ، ولهم أيادٍ بيضاء على اللغة والأدب والكتابة الكردية .

 

إن الوفاء لهؤلاء الـرواد الأوائل من البدرخانيين ، وفي هذا اليوم بالذات ، يوم الصحافة الكردية ، يحرّضنا جميعاً على متابعة مسيرتهم الخلاقة والتفاعل الحقيقي والجدي مع التطور الهائل للوسائل الإعلامية ومواكبة التقنيات العصرية للنشر والإعلام الذي يحقق التواصل الفعال مع الـرأي العام الكردي والرأي العام العالمـي .

* ملاحظة:سبق وأن نشرت في عدة مواقع وصحف.

قد يعجبك ايضا