الاستاذ المساعد الدكتور
فكري عزيز حمد السورجي
يعتبر هذا الخلل الاجتماعي الخاص بمثابة جذور للخلل الاجتماعي العام الذي يصيب العلاقات الاجتماعية ويكتوي بناره جل أفراد المجتمع ، وتتعدد ملامح الخلل الاجتماعي العام الذي يساعد على انتشار الجريمة ومن أبرز هذه الملامح ما يلي :
– اختلال المفاهيم الاجتماعية :
ومن أبرز ملامح الخلل الاجتماعي العام اختلال المفاهيم الاجتماعية التي تبنى على أساسها سلوكيات كثير من أفراد المجتمع ، ومن هذه المفاهيم التي أصابها الخلل
– مفهوم ( الحرية) : الذي خلط فيه بين ” الحرية الشخصية ” و ” الحرية الاجتماعية ” ، حيث إن كثيراً من الناس لا يدركون أن الحرية الشخصية محدودة بإطار الحرية الاجتماعية ، أو لا يدركون أن الحرية لها بعد شخصي ولها بعد اجتماعي ، وأي تداخل بينهما يهدد أمن المجتمع ، حيث ينطلق سلوك الفرد من منطلق الهوى الشخصي دون أدنى اعتبار لحقوق الآخرين ، وما أكثر جرائم الهوى.
– مفهوم (المدنية) : الذي نسبت إليه كثير من المفاسد نسباً غير شرعي ، حيث نظر بعض الناس إلى المدنية الغربية نظرة شاملة بخيرها وشرها لا نظرة انتقاء ، ظانين أن من أراد أن يلحق بركب المدنية فليأخذها بخيرها وشرها ، وفي ضوء هذا الظن ترتكب كثير من المنكرات ، والحكمة تقتضي الاستفادة من أي تقدم مادي بعيداً عن استصحاب المنكرات والرذائل التي واكبته في مجتمعات ليس لها من الدين الحق والأخلاق الفاضلة والقيم السامية نصيب ، فالمدنية الحقيقية هي التي تسمو بالإنسان مادياً وروحياً ، وتراعي في محاولات الارتقاء به أنه عضو في جماعة .
– افتقاد الروح الجماعية :
وافتقاد الروح الجماعية التي تجمع القلوب والقوالب غدا أمراً ملموساً في زمننا هذا الذي طغت فيه المادة على القيم الإنسانية التي تحمي الإنسان من شر أخيه الإنسان ، حيث غلبة الذاتية ، واستشعار الأنانية ، وعدم استشعار الإخاء الإنساني عموماً والديني خصوصاً وما يقتضيه هذا الإخاء من تعاون وحب وإيثار ودفع للأذى عن الآخرين.
وافتقاد الروح الجماعية تكمن خطورته فيما يترتب عليه من خلو الساحة الاجتماعية من السياج الأمني المعنوي الذي يحمي الإنسان من اعتداء أخيه الإنسان.
– السلبية الاجتماعية تجاه السلوك المنحرف :
إذا كان أي مجتمع لا يستغني عن سلطات للضبط الاجتماعي تتعدد أشكالها وتتباين من مجتمع لآخر ، فإن أقوى سلطات الضبط الاجتماعي جميعاً هي سلطة المقاومة الاجتماعية لأي شكل من أشكال الانحراف ، بصورة إيجابية تأخذ على يد المنحرف وترفض بشدة أن يهدد أمنها شبح الانحراف والجريمة ، ” فمكافحة الجريمة ليست من واجبات الدولة ورجال الأمن وحدهم ، وإنما هي كذلك من واجبات الأمة وجماعة المسلمين ، ذلك أن الفطرة التي فطر الله الناس عليها قضت بأن الحياة الإنسانية حياة جماعية يمثل كل فرد فيها لبنة في بناء المجتمع الكبير.
ولكن – وللأسف الشديد – مع القصور الذي أصاب السلطات الأمنية المختلفة التي تعنى بتحقيق الضبط الاجتماعي يزداد الأمر سوءاً بتنحي أقوى سلطات الضبط الاجتماعي عن دورها في مقاومة السلوك المنحرف بسلبية مشينة ترفع شعار الأنامالية ، الأمر الذي يغري أهل الانحراف بالتمادي في جرائمهم غير عابئين ولا مكترثين بأي تواجد بشري في ساحة الجريمة ، إذ أنه – في ظل السلبية الأنامالية – كغثاء السيل أو في حكم العدم .
– الفـــــراغ :
ومن أبرز ملامح الخلل الاجتماعي العام ما هو ملاحظ من الازدياد المستمر لأوقات الفراغ لدى كثير من أفراد المجتمع ، ” نظراً لما وصل إليه الإنسان من الحضارة ، فالقوانين تحدد وقت العمل ، والمخترعات والآلات الحديثة تساعد في إنجاز الأعمال بأقل وقت ممكن ؛ مما يزيد في وقت الفراغ.
ولا يخفى أن الفراغ مشكلة خطيرة إذا لم يستغل فيما يعود على الفرد والمجتمع بالخير ، فالنفس إن لم تشغل بالحق شغلت صاحبها بالباطل ، خاصة في زمنٍ علا فيه صوت الباطل وكثرت مغرياته .
وتزداد حدة مشكلة الفراغ وخطرها على أمن المجتمع عندما تحتل مساحة واسعة في مرحلة الشباب ، تلك المرحلة التي تفيض بالطاقة ، والتي إن لم توجه إلى الخير والبناء سلكت بصاحبها طريق الشر والهدم والشقاء ، والواقع يؤكد أن شباب الأمة يعاني من فراغ رهيب – روحياً ، وثقافياً ، واجتماعياً ، وعملياً ورياضياً .. إلخ – ناجم عن عجز المؤسسات الدينية ، والثقافية ، والتربوية والرياضية ، والاقتصادية التي تفتح مجالات العمل وتساهم في حل مشكلة بطالة الشباب عن ملء هذا الفراغ الذي تقتحمه قوى الشر والباطل وتجر أربابه إلى طريق الانحراف والجريمة .
: تلوث الجو الاجتماعي بالمثيرات الغريزية :
ومن أبرز ملامح الخلل الاجتماعي العام ما يعج به الجو الاجتماعي من تلوث بالمثيرات التي تحرك كوامن الغريزة ، كالاختلاط بين الجنسين في كافة ميادين الحياة الاجتماعية بدون ضوابط ، وذيوع كافة ألوان الإثارة في وسائل الإعلام المختلفة ، كل هذا يؤدي إلى زيادة السعار الجنسي ، خاصة في ظل عدم التحصين الكافي ضد هذه المثيرات دينياً ، وثقافياً ، وأخلاقياً، وتربوياً ، وبالتالي يجني المجتمع الثمار المرة لهذا السعار الجنسي .
وهذه هي أبرز ملامح الخلل الاجتماعي العام تنضم إلى ملامح الخلل الأسري لتشكل الدوافع الاجتماعية للجريمة .