صبحي مندلاوي
حين نطالع صفحة الثاني والعشرين من نيسان من كل عام ، نفتحها كما يُفتح سفر التأريخ، وتنبض فيها أولى نبضات الوعي الكوردي المكتوب ، إنها الذكرى السابعة والعشرون بعد المائة، يوم صدرت جريدة كوردستان من القاهرة، لا لتملأ فراغ الورق، بل لتخطّ بمدادها أول سطر في تاريخ الصحافة الكوردية، ولتقول: إننا شعب له صوت، وله كلمة، وله قضية لا تموت.
نحن لا نحتفل بتاريخٍ نزيّنه بالورود، بل نستذكر جذورًا ضُربت في أرض النضال، وأقلامًا كُسرت لأنها كانت حرة. عيد الصحافة الكوردية ليس مجرد تقويم على الحائط، بل هو امتداد لذاك السطر الأول، لتلك الكلمات التي كُتبت تحت خيمة المنفى، ولتلك الدماء التي امتزج فيها حبر الصحفي مع بارود البيشمركة.
لكن، في حضرة هذا المجد، لا يمكننا إلا أن نتساءل… أين هي نقابة صحفيي كوردستان من كل هذا المجد؟ أليست هي الوريث الشرعي لذاك التاريخ؟ أليست هي التي يُفترض أن تُمسك بمشعل الكلمة، وتحرس حرية الرأي، وتصون حقوق أبناء صاحبة الجلالة؟
للأسف، ما نشهده اليوم لا يشبه طموح الصحفيين ولا تضحياتهم. نقابةٌ خجولة، صامتة، لا يُسمع صوتها إلا حين تُحصي الاشتراكات أو تُصدر بطاقة صحفية قد لا تعني شيئًا في لحظة خطر ، سنوات طويلة من الوجود، دون أن تكون حاضرة في ساحة الدفاع، لا قانونيًا، ولا ماديًا، ولا حتى معنويًا.
في بغداد، ورغم الظروف والتحديات، قامت نقابة الصحفيين العراقيين بخطوات تُحسب لها، من متابعة قانونية حقيقية، إلى دفعات مالية للصحفيين، إلى تخصيص أراضٍ سكنية لأعضائها. أما نقابة كوردستان، فقد وقفت عند حدود الأرشيف الورقي.
فهل هذا هو ما يستحقه الصحفي الكوردي؟
هل هذه هي النقابة التي نريدها ونحن نُحيي ذكرى أول صحيفة كوردية حملت اسم كوردستان؟
هل هذا هو الامتداد الحقيقي لتلك الكلمة ؟
نحن لا نطلب المستحيل… نطلب نقابة فاعلة، حية، لا تنام ولا تصمت حين يُهان قلمه. نريد نقابة تُشبه قامات شهداء الصحافة الكوردية، تُشبه دارا توفيق، تُشبه صالح اليوسفي… نريدها صوتًا لا هيكلاً.
في هذا اليوم، نرفع القلم لا لنكتب فقط، بل لنطالب. نطالب نقابة صحفيي كوردستان أن تخرج من صمتها، أن تُراجع مسيرتها، أن تقف أمام مرايا التاريخ وتسأل نفسها: هل كُنا على قدر المسؤولية؟
ولعل الجواب، هذه المرة، لا يُكتب بالحبر… بل يُرسم بالفعل.
فأقلامنا، كما كانت دومًا، مستعدة… لكننا لا نقبل أن تُحاصر داخل جدران نقابة بلا روح.
كوردستان كانت وستبقى… لكن النقابة، إن لم تنهض الآن، فقد لا تُكتب في السطر القادم من التاريخ.