فيلم “ندم” انطلاقة واعدة للسينما العراقية من قلب المعاناة

مصطفى حسين الفيلي – مخرج سينمائي

في زمن يشهد فيه المشهد الثقافي العراقي محاولات جادة لإحياء الإنتاج السينمائي، يبرز فيلم ندم كعمل درامي مؤثر يعكس صوت العائلة العراقية البسيطة، ويُسلّط الضوء على التحديات اليومية التي تواجهها فئات مهمّشة في المناطق النائية. الفيلم يقدّم رسالة مجتمعية عميقة تُمثّل الكثير من الواقع العراقي.

تدور أحداث ندم حول طفل يُدعى “نور”، ينتمي إلى عائلة تعمل في مجال الخياطة. يعيش نور في منطقة ريفية، وتتمحور حياته حول توقعات أسرته بأن يسلك طريق العمل التقليدي لمساعدتهم في ظروفهم الصعبة. لكن نقطة التحول تبدأ عندما يشاهد “نور” طاقم تصوير يعمل في منطقته، لفتتفتح أمامه نافذة جديدة نحو شغفه الحقيقي: الفن والإخراج.

من هنا تبدأ رحلة نور في مقاومة التحديات لتحقيق حلمه، في ظل واقع قاسٍ تحكمه الحاجة، وتقيّده العادات، وتضعفه الظروف الاقتصادية والاجتماعية والصحية التي تواجهها العوائل العراقية في تلك المناطق.

الفيلم من كتابة وإخراج ريكا البرزنجي، تم تصوير الفيلم خلال 28 يوماً في مدينتي أربيل وشقلاوة، ما أضفى عليه روح البيئة العراقية الحقيقية، سواء من حيث الطبيعة أو النمط المعيشي.

يحمل الفيلم رسالة قوية حول أهمية اكتشاف الشغف الشخصي رغم الظروف الصعبة. كما يُسلّط الضوء على الواقع المهمّش للعوائل في المناطق النائية، ويركز على الصعوبات التي يواجهها الأطفال الذين يملكون أحلامًا كبيرة ولكن دون دعم أو بيئة حاضنة.

كما يطرح الفيلم تساؤلات مهمة: هل يحق للطفل أن يحلم؟ وهل يمكن للحلم أن يعيش في بيئة تخنقه؟ الفيلم يجيب بلا خطابة، بل من خلال صور مؤثرة ومشاهد صامتة تحمل في داخلها الكثير من المعاني.

عُرض الفيلم لأول مرة في صالة سينما فوماكس ضمن مجمع قرية دجلة في بغداد، بحضور عدد من الشخصيات الفنية والثقافية البارزة، من ضمنهم نقيب الفنانين العراقيين ومدير العام لدائرة السينما والمسرح. وقد لاقى الفيلم إعجاب الجمهور والنقاد، الذين أشادوا بالطرح الإنساني للعمل، وبالجهود الذاتية المبذولة في إنتاجه.

فيلم ندم ليس مجرد قصة طفل، بل هو فيلم عن الأمل، والإصرار، وعن حق كل إنسان في أن يحلم. هو أيضاً صرخة ضد الإهمال والتهميش، ورسالة إلى صناع القرار بضرورة دعم السينما بوصفها وسيلة قوية لتغيير الوعي وبناء الهوية.

بهذا الفيلم، تُثبت السينما العراقية أنها قادرة على النهوض من جديد، لا من خلال ميزانيات ضخمة، بل من خلال قصص صادقة، وقلوب مخلصة، وأحلام لا تموت.

قد يعجبك ايضا