حيدر الشمري
تتشابك الكلمات والنظرات في الممرات الضيقة في المدارس ، وبين جدران صفوف تحمل صدى أحلامٍ خجولة ، تنمو ظاهرة لا يُرى جرحها ، لكنها تنزف بصمت ،”التنمر بين الفتيات” ، تلك الكلمات الجارحة ، النظرات المتعالية ، والضحكات التي تخفي خلفها قسوة ، باتت كافية لتحطم قلب فتاة لم تُخطئ سوى أنها كانت “مختلفة .”
تقف احلام في زاوية الفناء المدرسي ، تراقب زميلاتها من بعيد ، تخشى الاقتراب منهن بعدما أصبحت هدفاً للسخرية بسبب لهجتها الريفية ، وهناك مريم التي تعاني من نشر الشائعات حولها على مواقع التواصل الاجتماعي ، ونور التي أصبحت تتغيب عن المدرسة بسبب التعليقات القاسية على مظهرها ، قصص متشابهة في ملامحها ، مختلفة في تفاصيلها ، لكنها جميعاً تعكس واقعاً مؤلماً يعيشه جيل بأكمله .
مجتمعنا يعاني من تداعيات الصراعات والتحولات الاجتماعية ، أصبحت المدارس ساحات لصراعات خفية ، تتخذ من الاختلافات الطبقية والاجتماعية والمظهرية ذريعة لممارسة سلطة وهمية ، والأكثر إيلاماً أن التنمر بين الفتيات غالباً ما يتخذ طابعاً نفسياً أكثر منه جسدياً ، مما يجعله أكثر تعقيداً وأصعب اكتشافا .
إن بناء بيئة مدرسية تحتضن الاختلاف وتحتفي به يبدأ بتدريب المعلمات على رصد علامات التنمر المبكرة ، وتعزيز ثقافة الإبلاغ الآمن عن حالات التنمر ، وتطوير آليات للمحاسبة ، وتركز على إصلاح الضرر أكثر من العقاب ، كما أن إدماج مهارات التواصل والذكاء العاطفي في المناهج الدراسية سيساهم في تكوين جيل أكثر وعياً وتعاطفا .
لكن الوقاية ممكنة ، والحدّ ليس مستحيلاً ، تبدأ الحكاية حين تُفتح أبواب الإصغاء ، وتُدرَّب الفتيات على الاحترام ، لا السخرية ، حين تتلقى المدارس برامج توعوية تُرسّخ قيم التعاطف والتنوع ، وتُدرَّب الكوادر التعليمية على رصد الظاهرة لا تجاهلها .
وينبغي أن تُخلق مساحات آمنة للحوار ، حيث تستطيع كل طالبة أن تحكي بلا خوف ، وأن تجد من يربت على كتفها لا من يشيح بوجهه عنها ، كما أن إشراك الأهل في التوعية ، ومتابعة السلوك من المنزل ، لا يقل أهمية عن دور المدرسة .
التنمر ليس مجرّد لعبة مراهقة ، بل بداية لانهيارات صامتة ، فلنكن نحن الصوت الذي يوقف الصمت ، ويعيد إلى قلوب فتياتنا أمان الطفولة وجمال الاختلاف ، وكما تقول الحكمة العراقية القديمة ، “الكلمة الطيبة كشجرة طيبة “، أصلها ثابت وفرعها في السماء .