عواصف السياسة العراقية.. إلى أين يمضي الخيار الكوردي في انتخابات مضطربة؟

د. ابراهيم احمد سمو

بينما تسير عقارب الساعة نحو الموعد المقرر للانتخابات في العراق، لا تزال الأسئلة عالقة والمخاوف قائمة، ليس فقط بشأن إجرائها في وقتها، بل أيضًا حول ما إذا كانت ستجري أصلًا في ظل العواصف السياسية المتلاحقة، داخليًا وخارجيًا.
الحديث عن الانتخابات أصبح الشغل الشاغل في أروقة الأحزاب، وفي لقاءات القادة، وحتى في الأحاديث الجانبية بين الناس في الشارع. نقاشات متواصلة، بعضها معلن أمام الكاميرات، والآخر يدور في الخفاء، حيث تُرسم خرائط وتحاك تفاهمات لا تفصح عن نفسها إلا عندما تقترب لحظة القرار. الكل ينتظر، يترقّب، يتأمل، ويخشى في آنٍ واحد.

الواقع في العراق يشير إلى حالة عدم يقين. التوقيت الانتخابي قد يبدو محسومًا على الورق، لكن العوامل التي تحيط به تجعله هشًا وقابلاً للتغيير في أي لحظة. من جهة، هناك ضغط شعبي يريد انتخابات تفتح باب التغيير، ومن جهة أخرى، هناك أحزاب تسعى إلى تأجيل أو إعادة ترتيب الأوراق بما يضمن مصالحها. أما المفوضية العليا للانتخابات فتؤكد استعدادها، لكنها لا تستطيع وحدها التحكم في مجرى الأحداث، وسط بيئة سياسية متقلبة.

العراق ليس جزيرة معزولة، بل جزء من منظومة إقليمية ودولية مضطربة. التحولات في السياسة العالمية، خصوصًا السياسات الأميركية المتأرجحة، تترك بصمتها على الداخل العراقي. الإدارة الأميركية تارة تقرر الانسحاب، وتارة تعود بتأثير أقوى. تقطع العلاقات مع طرف، ثم تعيدها مع آخر. تُخفض إنتاج النفط فتهتز الأسواق، ثم تعود لتعدّل من سياساتها وفقًا لمصالحها المتغيرة. هذه التقلبات تضرب استقرار المنطقة، والعراق في قلب هذا الحراك.

اكتشافات نفطية جديدة في أكثر من دولة في الإقليم، بعضها رسمي وبعضها لا يزال قيد الكتمان، تجعل الأرض السياسية أكثر سخونة. النفط الذي كان ولا يزال سببًا في إشعال الحروب، لا يبدو أنه فقد مكانته كعامل حاسم في صياغة السياسات والقرارات الكبرى. وكلما اشتعلت النيران حوله، اشتدت المنافسة، وتعاظمت المؤامرات، وتعقدت التحالفات.

وسط هذه المتغيرات، يبرز سؤال آخر أكثر خطورة: هل يمكن أن نشهد تغييرات جذرية في أنظمة الحكم؟ وهل أصبحت فكرة “الإسقاط” أو “الاستبدال” قريبة من الواقع أكثر من أي وقت مضى؟

في عالم تتغير فيه المصالح بسرعة، وتنقلب فيه المعادلات بين ليلة وضحاها، لم يعد شيء مستبعدًا. وكل شيء جائز.
في هذا المشهد المضطرب، الكورد جزء أصيل من المعادلة. بل يمكن القول إنهم أصبحوا، مرة أخرى، في قلب الحدث. الأوضاع في كوردستان العراق ليست بمعزل عن ما يجري، بل تتأثر به وتؤثر فيه. تطورات المنطقة تفرض على الكورد أن يكونوا أكثر يقظة، وأكثر تنظيمًا، وأكثر انخراطًا في الحوار الوطني، والإقليمي كذلك.
الكورد مقبلون على مرحلة جديدة، تلوح في الأفق، حتى وإن بدت بطيئة الملامح. لكنها قادمة. المؤشرات تقول ذلك. كل يوم يحمل إشارة، وكل قرار خارجي أو داخلي يحمل رسالة مباشرة أو ضمنية للكورد. وإذا كان الماضي قد شهد تجاهلًا أو تهميشًا في بعض المحطات، فإن المرحلة المقبلة تحمل فرصة لتعزيز الحضور الكوردي، والمشاركة في صنع القرار، سواء داخل العراق أو في سياقه الإقليمي.
لكن، لكن سوف لن يكون الطريق سهلًا،التجاذبات السياسية ما زالت قائمة، والتناقضات حاضرة. التحالفات تتغير باستمرار، والمصالح تتحول. لذلك، فإن تحقيق الاستقرار ليس مهمة الحكومة فقط، بل مسؤولية الجميع. الكورد بحاجة إلى وحدة الصف، وتغليب لغة الحوار، والاستعداد لكل السيناريوهات، سواء تمّت الانتخابات في موعدها أم لا.
وفي خضم هذه الفوضى، قد يكون من الممكن — بل من الضروري — أن نخرج هذه المرة بسلام، وأن نتمسك بما تحقق، حتى وإن كان بسيطًا. فالعلم الذي يرفرف فوق الإقليم، في شكله الحالي، يحمل معنى الاستمرارية، والحق، والأمل. وهذا ما يحتاجه الكورد في هذه المرحلة: أمل واقعي، مبني على وعي سياسي، وتحرك مدروس.
ختامًا، كل المعطيات تشير إلى أن الانتخابات قد تُجرى في موعدها… لكن ذلك مشروط بعدم حدوث طارئ، وهو احتمال دائم في العراق. وما بين الاستحقاق الانتخابي والتحولات الكبرى، يظل الحذر واجبًا، والعمل مسؤولية، والرؤية الكوردية  الواعية ضرورة لا غنى عنها في رسم ملامح المرحلة المقبلة

قد يعجبك ايضا