حسو هورمي
في ليلة استثنائية، سُطرت فيها حكاية من ذهب، دوّن نادي دهوك الرياضي اسمه بأحرف من نور في سجل كرة القدم الخليجية، بتتويجه المستحق بكأس أندية الخليج العربي إثر فوزه على نادي القادسية الكويتي، مساء الخامس عشر من أبريل.
لم يكن فوزًا عاديًا، بل كان لحظة تاريخية عاشتها الجماهير الكروية العراقية والكردستانية بكل جوارحها، لحظة امتزج فيها الشغف بالدهشة، والانتماء بالفرح العارم.
الجماهير: نبض الانتصار وروح البطولة.
من قلب دهوك ارتفعت الهتافات وشكّلت الجماهير سُورًا نفسيًا حول فريقها، حيث أكثر من 25 ألف متفرج ملؤوا المدرجات، بينما احتشد الآلاف في ساحات وحدائق المدينة لمتابعة اللقاء عبر الشاشات العملاقة. كانت الأصوات تسبق الركلات، والقلوب تُشعل المدرج حماسة، حتى بدا وكأن الجماهير نفسها هي من تسجّل الأهداف، لقد قدّمت دهوك درسًا بليغًا في الوفاء، مؤكدة أن البطولة لا تُصنع في الملعب فقط، بل في صدور الجماهير التي تؤمن حتى آخر لحظة.
العَلم العراقي: حين يتعالى الشغف على الجدل
رُفعت الأعلام الكوردستانية والعراقية، جنبًا إلى جنب، كما يفعل الشغوفون حين يتوحدون خلف لحظة نصر، لكن بعض الأصوات النشاز، ممن اعتادوا قراءة المواقف بعدسات سياسية، حاولوا افتعال جدل لا طائل منه حول “العلم”، متناسين أن الروح الرياضية كانت حاضرة بأجمل صورها، وأن الفرح لا يحتاج تصريحًا سياسيًا كي يُعبّر عن نفسه.
دهوك تحتفل: مدينة لا تنام عند ملامسة المجد مع نهاية المباراة، تحوّلت شوارع دهوك إلى أنهار من البشر، أعلام مرفرفة، أناشيد، رقصات، وأهازيج امتدت حتى الفجر، نعم المدينة كانت بأكملها تروي للعالم قصة انتصارها، ليس فقط بكأس مرفوع، بل بحالة فرح جماعي نادرة، أعادت للأذهان لحظات المجد الكروي العراقي.
ما صنعه دهوك هو أبعد من نتيجة مباراة، هو رسالة وطنية عميقة مفادها أن الرياضة قادرة على جمع ما تفرقه السياسات، وأن الفرح حين يكون صادقًا، يتجاوز كل الحدود والانتماءات.
لقد رفع الفريق الكأس، ورفعت الجماهير معه حلمًا أكبر… حلم عراق يُحتفى فيه بالإنجاز لا بالانقسام، وتُسمع فيه الهتافات لا الاتهامات. دهوك اليوم ليست فقط بطلة الخليج… بل بطلة في جمع القلوب تحت راية الفخر والانتماء.
القيادة في المدرجات… حين يتقدّم المسؤولون الصفوف لم يكن الانتصار الذي حققه نادي دهوك مجرد إنجاز رياضي فحسب، بل كان حدثًا وطنيًا تجلّت فيه أسمى صور التكاتف والدعم، حيث التقت الجماهير مع القيادة في صفٍ واحد خلف راية الفريق. فقد شكّل حضور رئيس حكومة إقليم كوردستان، السيد مسرور بارزاني، في الملعب لحظة رمزية عميقة، في نفوس اللاعبين والجماهير وحملت في طيّاتها رسالة ثقة ودعم. وجوده بين أبناء دهوك، مشجعًا ومتابعًا عن كثب، أضفى دفعةً قويةً من الحماس والثقة على أداء الفريق، ليشعر اللاعبون أن خلفهم من يؤمن بهم، ويتابعهم من قلب الحدث لا من بعيد، وكأن الحلم أصبح مسؤولية جماعية لا مهمة فريق فحسب. وفي الوقت ذاته، أطلّ رئيس الوزراء العراقي، السيد محمد شياع السوداني، عبر دائرة تلفزيونية مباشرة ليخاطب إدارة النادي واللاعبين بكلماتٍ مشجعة، واعدًا إياهم بمكافأة مجزية في حال التتويج. كانت تلك اللحظات كوقود إضافي على نار الحماسة، فارتفعت المعنويات وتضاعفت العزيمة وأشعلت رغبتهم في الفوز بالكأس. لقد شعر اللاعبون بأنهم لا يمثلون نادٍ فقط، بل يحملون على أكتافهم آمال إقليم كوردستان والعراق بأسره، وأن هناك من يقدّر هذا الجهد من أعلى المستويات.
لم تتوقف مشاهد الدعم هنا، فقد تواجد محافظ دهوك وكافة القيادات السياسية في المدينة بين الجماهير، لا كضيوف شرف، بل كمشجعين حقيقيين اندمجوا في الأجواء بشكل عفوي، هاتفين، ملوحين بالأعلام، متمايلين على وقع الأهازيج، تاركين خلفهم البروتوكولات الرسمية ومقتربين من نبض الشارع. لقد أثبت هذا التلاحم بين القيادة والجماهير أن الرياضة حين تُخاطب القلوب، تُسقط كل الحواجز، وتُعيد تعريف العلاقة بين المسؤول والمواطن على أساس الشغف والانتماء المشترك، هكذا تصنع القيادة الملهمة الفارق، حين تُصبح جزءًا من المعركة لا متفرّجًا على نتائجها.
دهوك لم تنتصر وحدها… بل انتصر معها كل من آمن أن الفرح مشروع وطني يستحق أن نحتفل به سويًا.