بين السياسة الحكيمة و الإرتجالية

 

 

قرار المسعود

ليس من المعقول و لا من المنطقي، أن يكون من السهل قيادة دولة كانت تحت الوصاية الأجنبية فترة طويلة من الزمن و تريد التخلص منها في عشية و ضحاها و تصبح مستقلة في قرارها و حرة في شعبها. و طبعا المعركة ستكون صعبة، إن لم تكن مبنية على أسس و مبادئ و قيم مجتمعها مع إحترام المواثيق الدولية. و تكون كل مبادرة مدروسة و خالية من التسرع.

 

إن حادثة الطائرة المسيرة المالية التي سقطت في جنوب تراب الجزائر و ما تمخض عنها مع دول الساحل،  يعتبر من بين الدروس لساسة و حكماء المنطقة و ما هناك من مكائد مدبرة لاحقة يجب التفطن و الإنتباه لها و المعاملة لحلها بشكل جماعي حتى لا نصل إلى طريق مسدود مع المحيط و التفتح شيئا فشيئا نحو بث الديمقراطية التي تخدم الشعب في المقام الأول حتى يشارك فعليا و يدعم بناء الدول على أسس ثابتة و خاصة في دول الساحل و غيرها و يتجسد الحكم الراشد المرجو أيضا تصحح سياسة هذه الدول.

 

هذه الظاهرة السائدة و التردد و التقلب في المواقف في الأونة الأخيرة في الدول التي تريد أن تتمكن و تجد مكان في الساحة، تراها تتجول تارة في الشرق و تارة في الغرب ولا تجد إستقرار ما دامت لا تعمل على بناء قاعدة صلبة  في بلدها بواسطة تحسيس و توعية و نشر العلم في مجتمعها و حل كل النزعات التي نسجها الغرب لها. إن الذين كان لهم الفضل في تأسيس حركة دول عدم الإنحياز، كان الهدف و مازال و يستمر للوقاية من الهيمنة الأحادية القطبية أو الثنائية إذا أجمعت على مصلحة واحدة، أن تكون لهم (دول عدم الإنحياز) على الأقل وسيلة تخفيف من الضغط و الغطرسة. و أن يكون تكتلها ضروريا في الظرف الحالي و الثبات عليه.

 

تبقى هذه الهزات تلقن الدروس من حين لأخر في كل مرة، لكل متردد و مغامر بدولته و شعبه في  مساره للحكم و التاريخ يكتب له أو عليه، و مهما يكون إذا لم تنصع الى انجاز البنية التحتية بالتفتح و الحرية و دعم من المجتمع كله لن يستطيع أبدا الحصول على الاستقرار و إزدهار الدولة و تقدمها ضمن مصف الدرجة المحترمة و النافذة. و يبقى شرطا أساسيا محتوما في المعاملة التعاون و التفاهم و التكتل و الإتحاد المستمر بين الدول الجارة على الدوام. و المثل في الجانب الإيجابي نجده في الإتحاد الأوروبي بأكثر من عشرين دولة في التضامن ( حرب أوكرانية – تسديد ديون اليونان – تدعيم الكيان) و في الجانب السلبي نشوب النزعات المفتعلة من أجل مصلحة الغير (إيران و محيطها – الصحراء الغربية –السودان – الكونغو و غيرها).

 

هذا الفارق بين الضفتين من مستوى التسيير، هو الجهل و العمل بدون تخطيط  منطقي و من المغريات للحكام من أجل نهب الثروة على حساب الشعوب و المجتمعات و تفعيل النزاعات الداخلية و بين الدول الجارة (سياسة فرق تسد). عند دول الغرب فلو كسرت عندهم نافذة صغيرة فإنهم يتضامنون كلهم لاصلاحها. و نحن يحركوننا كدمية و يقتلون الحياة و يحيون الموت فينا من اجل أغراضهم و يجوعون و يقهرون كل مَنْ سولت له نفسه قول الحق. فيسكتوننا بشقراء جميلة أو جرعة مسكر لندمر مجتمعا بكامله و نسلم بلدا بجميع خيراته

 

في حقيقة الأمر كل الإنسان خطاء و الخطأ يأتي غالبا عندما يكون إتخاذ الأمرصادرا من القرار الفردي أو من بطانة فاسدة أو عن قصد مبيت أو عن مكيدة مدبرة مع الغير. و يكون الصواب كلما إتسع التشاور من خلال بطانة عالمة لتلك الأمور و مزودة بتجربة. تقول الحكمة: ما خاب مَنْ إستشار و حسن السؤال نصف العلم و مَنْ جرب أصاب و مَنْ كذب خاب و أيضا تضيف العامية ” ما تركب حتى تلجّم و أعقد عقدة صحيحة و ما تتكلم حتى تخمم لا تكون لك فضيحة” و القرار في هذا الموضوع صعب العواقب لأنه يتعلق بمصير و تسيير أمة و بلد.

قد يعجبك ايضا