# الإعلامية (هيفاء الحسيني)
في ذاكرة الشعوب، تبقى بعض الجرائم محفورة لا تُمحى، لا تُنسى، ولا تُغتفر. وجريمة الأنفال ليست مجرد صفحة سوداء في تاريخ العراق، بل وصمة عار في جبين الإنسانية، وإحدى أبشع صور الإبادة الجماعية التي ارتُكبت بحق شعبٍ أعزل، ذنبه الوحيد أنه أراد الحياة بكرامة.
الأنفال لم تكن حملة عسكرية فقط، بل كانت مشروع إبادة ممنهج، سُخّرت فيه آلة الدولة بكل قوتها ووحشيتها، فاستُخدم السلاح الكيميائي لأول مرة ضد المدنيين، وقُصفت القرى الكوردية من الجو، ودُمّرت الأرض والبشر، وامتلأت المقابر الجماعية بأجساد رجال ونساء وأطفال لا ذنب لهم سوى أنهم ينتمون إلى قومية أراد النظام البائد محوها من الوجود.
في عام 1988، أُطلقت الأنفال كجزء من سياسة “الأرض المحروقة”، فتم تهجير أكثر من 180 ألف إنسان، واقتيد عشرات الآلاف إلى المجهول، لم يعودوا، ولم تُعرف قبورهم حتى اليوم. كانت الجريمة تتجاوز القتل، إلى محاولة قتل الذاكرة والهوية والثقافة والوجود.
لكن الذاكرة لا تموت.
اليوم، وبينما نُحيي ذكرى هذه الفاجعة، نقف أمام التاريخ ونحن نحمل مسؤولية الشهادة والتذكير. مسؤولية أن نُسمّي الأمور بأسمائها: ما حدث كان جريمة ضد الإنسانية، إبادة جماعية مكتملة الأركان، لا تسقط بالتقادم، ولا تُبررها حروب أو سياسات أو أوهام أمن قومي.
إنّ التضامن مع ضحايا الأنفال ليس فعلاً رمزياً، بل موقف وطني وأخلاقي، يعيد الاعتبار لأولئك الذين سُحقوا تحت آلة القمع، ويُذكّر الجميع أن العدالة، مهما تأخرت، لا بد أن تأتي.
الرحمة لأرواح الشهداء،
والعار للقتلة،
ولتبقَ الأنفال جرس إنذار، يذكّرنا بأن لا شيء يبرر الصمت أمام الظلم،
ولا أمن في وطن تُباد فيه الأقليات،
ولا وحدة في دولة تُبنى على المقابر