ذكرى الأنفال: إبادة جماعية في صمت العالم

آناهيتا حمو. باريس

14 أبريل ،الذكرى التي لا ينبغي أن تمر بصمت.
في هذا اليوم من كل عام، يقف التلاميذ الكُرد في مدارسهم في كُردستان دقيقة صمت إجلالاً لأرواحهم الخالدة ،وكذلك يُحيي الكُرد في دول الشتات ذكرى واحدة من أبشع الجرائم التي عرفها القرن العشرون: حملة الأنفال، التي شنّها نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين ضد شعب كردستان بين عامي 1986 و1989، وأسفرت عن مقتل أكثر من 180 ألف مدني، وتدمير قرى بأكملها، في عملية تُصنّف قانونيًا كجريمة إبادة جماعية وفق إتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948.
وفقًا لتقارير منظمة “هيومن رايتس ووتش”، اعتمد النظام العراقي آنذاك استراتيجية عسكرية وأمنية ممنهجة شملت “الهجمات الكيميائية، الإعدامات الجماعية، والتهجير القسري”، وكان أبرزها مجزرة حلبجة في مارس 1988، التي راح ضحيتها نحو 5000 مدني بفعل قصف كيماوي مباشر.
وقد وثّق تقرير المنظمة الصادر عام 1993 تحت عنوان “الأنفال: حملة الإبادة التي شنها العراق على الكُرد.هذه الفظائع بالتفصيل، مؤكدة بأن الوثائق الرسمية العراقية التي حصلت عليها بعد حرب الخليج الثانية أظهرت نية واضحة في “إبادة الريف الكردي” باإعتباره حاضنة للمعارضة.

في كتابها الجديد “إبادة منسية ” والذي تم عرضه في مهرجان الكتاب في باريس، في القسم “كرُدستان، “إبادة منسية، الصوت المكسور للشعب الكردي”، تكشف الصحفية والباحثة الفرنسية بياتريس بيليةعن شهادات حية لأكثر من مئة ناجٍ من مجازر الأنفال، من بينهم رجال ونساء فقدوا عائلاتهم بالكامل، ووُضعوا في معسكرات إعتقال، أو أجبروا على العيش في منافي قسرية. يقول أحد الناجين في شهادته: “أخذونا إلى الصحراء، فصلوا الرجال عن النساء، ومنذ ذلك اليوم لم أرَ والدي مجدداً.

هذا الكتاب، الذي استغرق عشر سنوات من البحث والتوثيق في مناطق مختلفة من كردستان العراق، يقدّم للمرة الأولى باللغة الفرنسية مادة توثيقية وميدانية تدعم المطالب بالإعتراف الرسمي بالجريمة كإبادة جماعية، ويضع المجتمع الدولي أمام مسؤوليته القانونية والأخلاقية.
ورغم إصدار المحكمة الجنائية العراقية العليا في 24 يونيو 2007 حكمًا يعتبر الأنفال “جريمة إبادة جماعية”، فإن هذا الاعتراف ظلّ محلياً دون تبنٍ دولي واسع. وهنا تبرز أهمية الضغط السياسي والإعلامي من أجل إدراج هذه الجريمة في السجلات الرسمية للذاكرة الدولية، كما حدث في تلك الحقبة من التاريخ ، الإبادة الأرمنية والهولوكوست.
إن عدم الإعتراف الدولي حتى اليوم لا يمحو الحقيقة، لكنه يطيل أمد جراح شعب يطالب بالعدالة. وفي ظل الصراعات المتكررة التي لا تزال تعصف بالمنطقة، تبقى الذكرى نداء إلى الضمير العالمي: كي لا تتكرر الأنفال، لا بد من الإعتراف بها أولًا.

قد يعجبك ايضا