رواتب المسؤلين – سلم الرواتب والمعادلة الصعبة

نهاد الحديثي

تُعد مسألة تخفيض رواتب المسؤولين في العراق من أبرز القضايا التي تُطرح باستمرار في النقاشات السياسية والإعلامية والشعبية، خصوصًا في ظل الأزمات الاقتصادية المتكررة التي يعاني منها البلد. والمطالب المتزايدة لتقليص الفجوة بين رواتب العاملين في الدولة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتقليل الهدر في المال العام, وتم جمع أكثر من 60 توقيعاً نيابياً، لتعديل قانون سلم رواتب الموظفين، وكذلك تخفيض رواتب الرئاسات الثلاث والنواب والدرجات الخاصة.- وتثير الرواتب “المتناقضة” في العراق أزمات متكرّرة، خصوصًا مع وجود “قصص” عن مخصصات غير معقولة لبعض المسؤولين, فمثلا راتب وكيل وزارة النفط لشؤون الاستخراج يبلغ “121 مليون دينار عراقي شهريًا , يُقدّر عدد الدرجات الوظيفية لمنصبي “وكيل وزير” و”مدير عام” بأكثر من 500 درجة (أ) ونحو 5030 درجة (ب)، وهو عدد يفوق ما موجود في بريطانيا وأميركا، بحسب خبراء.

وينقسم الموظفون في العراق إلى 10 درجات وظيفية، فضلًا عن الدرجة (أ) الخاصة، وهم في مناصب: وكيل وزير أو سكرتير أو مستشار في الرئاسات الثلاث، وصولًا إلى درجة السفير.أما الدرجة العليا (ب) فتشمل وظائف المدير العام والمهمات الإشرافية العليا، ومن ثم تُقسم الدرجات الوظيفية من التسلسل العاشر نزولًا إلى الدرجة الأولى.إضافة إلى ذلك، هناك أكثر من 20 وزيرًا، وأكثر من 300 نائب أو وكيل وزير، مع الرؤساء الثلاثة (الجمهورية – البرلمان – الوزراء)، ليكون المجموع أكثر من 6 آلاف درجة تستنزف قرابة 40% من إجمالي رواتب الدولة، تُقسّم على هيئة رواتب ومخصصات وحمايات أمنية وإيفادات سفر، وفقًا لخبراء.ويبلغ الراتب الأساسي والمخصصات لوكيل الوزير 12 مليون دينار، أما راتب المدير العام فيبلغ 8 ملايين دينار شهريًا
وكان خبراء في الشؤون الاقتصادية العراقية أبدوا دهشتهم من موافقة وزير المالية علي عبد الأمير علاوي في زمن الكاظمي ,, على تعيين نحو 511 درجة وظيفية بصفة وكيل وزير و5030 درجة وظيفية بصفة مدير عام، في حين أصدر علاوي كتابا رسميا منتصف الشهر الماضي بفرض ضرائب على رواتب موظفي القطاع العام لتوفير السيولة النقدية للدولة, واضافوا أن دولا كبيرة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا والهند لا تملك عددا كهذا في مناصب وكلاء الوزراء؛ مشيرا إلى أن الهند وبريطانيا اللتين تتمتعان باقتصاد عملاق لديهما فقط 25 وكيل وزير أي وكيل واحد لكل وزير, واشاروا أن طبيعة الأشخاص وقدرتهم على ممارسة العمل في المناصب الخاصة تفتقر بنسبة 90% إلى التخصص في العمل، وأن ذلك تسبب في هشاشة المؤسسات العامة وتآكل جسدها بالفساد المالي والإداري , وقالوا أن الدولة العراقية في أغلب مفاصلها تعتمد في نظامها الإداري على توسع الدولة ومركزيتها، حيث إن أعداد الدرجات الخاصة في العراق تعتمد على أساس أن الدولة العراقية متشعبة في جميع مفاصل الحياة (الصناعية، التجارية، الخدمية، الصحية، الزراعية، الأمنية، السيادية) لكنه أستدرك قائلًا إن “هذا النظام أو هذه المنظومة شبه معطلة والشارع العراقي يتلقى خدماتها بين ويلات القطاع الخاص وويلات الفساد, المنظومة سببت ترهلا واضحا أثقل جهد الدولة، وأن النظام الإداري يحتاج إلى الاعتراف بأن شكله مشوّه ويحتاج إلى تعديل واضح كتحويل شركات القطاع العام إلى شركات مساهمة ومن ثم تختلط مع رؤوس الأموال وتبتعد عن المركزية.

ينفق العراق نحو 100 تريليون دينار سنويًا على رواتب الموظفين والمتقاعدين، تذهب 40 تريليون منها على الأقل للمسؤولين الكبار, ويُوجد في العراق نحو 6 آلاف موظف من أصل نحو 4 ملايين، يُعرفون بـ”الدرجات الخاصة”، تستحوذ هذه المجموعة على حصة الأسد من الرواتب. حاول البرلمان والحكومات السابقة “ترشيق الإنفاق” ووضع “سُلَّم رواتب”، لكنه فشل أمام اعتراض أصحاب “الرواتب العليا ,, ويتقاضى رئيس الجمهورية راتبا شهريا قدره (50 مليون دينار) إضافة إلى 40 مليونا بدلات وضيافات، أما رئيس مجلس الوزراء فيتقاضى 40 مليون دينار عراقي إضافةً إلى 20 مليونا بدلات وضيافات، فيما يستلم رئيس مجلس النواب 35 مليون دينار عراقي مع 20 مليونا بدلات وضيافات شهريا، فيكون المجموع الشهري 55 مليون دينار عراقي., بينما يستلم القضاة ووكلاء الوزارات وبعض المديرين العامين، اكثر من 5- 6 ملايين , بينما يستلم النائب في البرلمان 7—8 مليون شهريا — وبحسب إحصائيات نشرتها بعض المواقع العراقية عن رواتب الرئاسات الأربع من 2006 إلى 2021، حسب الموازنات السنوية، أظهرت أن رئاسة الجمهورية أنفقت في تلك الفترة نحو تريليون و700 مليار.ورئاسة الوزراء أنفقت في نفس تلك الفترة أيضًا نحو 8 تريليونات دينار، والبرلمان أكثر من 7 تريليونات، والقضاء 5 تريليونات.,,وبحسب الإحصائيات التي نقلتها تلك المواقع، فإنها تتضمن احتساب المخصصات من الشهادة والسكن وغيرها، وهي تشمل رواتب الرؤساء والموظفين في تلك
الجهات-وتبدو هذه الارقام متواضعة مقارنة بما كان يُتداول في السنوات الأولى من رواتب للرئاسات. في 2020، تم تداول أخبار عن الرواتب التقاعدية لرئيس الجمهورية الأسبق غازي عجيل الياور.

بلغت موازنة 2024، الأخيرة، أكثر من 144 تريليون دينار، بعجز يتجاوز 63 تريليون دينار. وكان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني قد علّق في آذار الماضي بشأن سُلَّم الرواتب، وقال إنه “يحتاج إلى قرار سياسي لأن مخصصاته تتعلق بـ34 قانونًا يجب إلغاؤها حتى يتم توحيد الرواتب ,,وضغط البرلمان على الحكومة من أجل “سُلَّم الرواتب”، بحسب اللجنة المالية في المجلس, التي قالت ان إعادة توزيع تخصيصات الرواتب على الموظفين بشكل عادل؛ ولكن هذا قُوبل برفض واعتراض من الوزارات ذات الرواتب المرتفعة.

يعلّق باحثون وأكاديميون على إعادة مشروع “سُلّم الرواتب” إلى الواجهة، والحديث عن القوانين التقاعدية، بأنها مساعٍ “غير جادّة” لعدم وجود دراسات جدوى لا من الأمانة العامة لمجلس الوزراء، ولا الوزراء، ولا اللجان المعنية، ولا وزارة التخطيط لهذه القضايا، وبدون وجود دراسات الجدوى، لا توجد نية حقيقية لإجراء تعديلات في قضية الرواتب، تخفيضًا أو ترفيعًا.,عدم وجود اتفاق لدى الكتل السياسية، وأغلب القوانين التي تُطرح للتعديل أو القوانين الجديدة تحتاج إلى تنسيق سياسي، على الأقل بين قوتين سياسيتين، لضمان تمرير القوانين، وهذا غير موجود حاليًا، بسبب خلاف عميق على القوانين التي تتضمن مسائل مالية، أو بسبب قانون مقابل قانون، أو تعديل مقابل تعديل.

وطوال السنوات الماضية انطلقت العديد من الدعوات من قبل نواب وسياسيين ومواطنين طالبت بتعديل سلم رواتب الموظفين لوجود تفاوت كبير بين وزارة وأخرى، وكذلك مطالبات بخفض رواتب الرئاسات الثلاث والوزراء وكبار المسؤولين والنواب, ويرى الكثير من العراقيين أن رواتب ومخصصات المسؤولين الحكوميين، خصوصًا الرئاسات الثلاث (رئاسة الجمهورية، رئاسة الوزراء، ورئاسة البرلمان) وأعضاء البرلمان، وكبار الموظفين، مبالغ فيها مقارنة بما يتقاضاه موظفو الدولة في المراكز الأخرى، وما يعانيه المواطن العادي من بطالة وفقر وغلاء في المعيشة, ومنذ احتجاجات أكتوبر 2019، كانت مسألة العدالة في توزيع الثروات على رأس مطالب المتظاهرين. ورفع المتظاهرون شعارات تطالب بخفض رواتب المسؤولين وإلغاء الامتيازات الخاصة مثل الحمايات الفائقة، والسفرات الرسمية غير الضرورية، ومخصصات السكن.

بعض القوى السياسية دعمت هذه المطالب ظاهريًا، إلا أن ترجمتها إلى قرارات فعلية بقيت محدودة أو مشروطة بضغوط شعبية كبيرة. وتؤكد الإحصاءات أن نسبة كبيرة من الميزانية التشغيلية تذهب إلى الرواتب والمخصصات، وليس إلى المشاريع التنموية أو البنية التحتية
وأعلنت عدة حكومات عراقية سابقة نيتها إعادة النظر في رواتب المسؤولين، وطرحت مشاريع قوانين لهذا الغرض، إلا أن أغلبها لم يُقر أو تم تعطيله في البرلمان. وهناك مطالب مستمرة بتعديل قانون التقاعد الموحد، ومراجعة سلم الرواتب بما يحقق التوازن بين موظفي الدولة كافة، دون تمييز على أساس المنصب.وسبق أن كشف أحد الوزراء السابقين، عن ثلاثة قوانين عطلت عمدا في السنوات السابقة كانت تهدف الى تخفيض رواتب المسؤولين والدرجات الخاصة في الدولة. وقال الوزير السابق القاضي وائل عبداللطيف، في تصريح صحافي إن “رواتب المناصب العليا في العراق تتمثل بالرئاسات الثلاث والوزراء والنواب والدرجات الخاصة، لا تعرف قيمتها شهريا، من خلال عدم وجود أرقام دقيقة حولها”.وأضاف، أن “هناك ثلاثة قوانين مهمة تم اعدادها خلال الدورة النيابية الأولى بشأن تحديد سقف الرواتب العليا في الدولة، الا انها غُيبت عمدا ولا يعرف مصيرها لغاية الان”.
سلم الرواتب.. ميزان غابت عنه العدالة وآمال بالإنصاف, وفي أحدث إعلان حكومي كشف الأمين العام لمجلس الوزراء حميد الغزي، في 6 نيسان الجاري عن مصير سلم رواتب الموظفين ,, وقال الغزي لوكالة الانباء الرسمية، إن :”هناك لجنة مشكلة في وزارتي التخطيط والمالية لإعداد سلم الرواتب”، مبينا، أن” مقترحات سلم الرواتب أعيدت إلى اللجنة بعد تسجيل ملاحظات عليها , وأضاف، أن” سلم الرواتب لا يزال حتى الآن لدى اللجنة المشكلة بين وزارتي التخطيط والمالية وبعد إكمال عملها سيعرض على مجلس الوزراء.

وألتبس على شريحة الموظفين قرار تعديل سلم الرواتب وارتباطه بالموازنة لكن رئيس اللجنة المالية النيابية، عطوان العطواني، أكد، انه “قانون منفصل بحد ذاته، ولا علاقة له بالموازنة إطلاقا، كونه إجراء حكومي يتم التصويت عليه داخل مجلس الوزراء,, ودعا مجلس الوزراء “للإسراع بالمصادقة عليه وتطبيقه، لارساء حالة من الاستقرار الوظيفي وضمان العدالة بين الجميع ,, ويشير خبراء الاقتصاد , ان سُلّم الرواتب ليس بقانون إنما هو قرار، وحسب قانون الإدارة المالية رقم 6 لسنة 2017 فإنَّ تعديل سُلّم الرواتب مرتبط بقرار مجلس الوزراء شرط أن تخصص الأموال له, واوضحوا أنه “يمكن بعد دخول
الموازنة حيز التنفيذأن، يتخذ مجلس الوزراء قراراً خاصاً بتعديل سُلّم الرواتب , وأضافوا أنَّ “التعديل يكون للجهات ذات الرواتب الضعيفة، فهناك رأي بأخذ جزء من المخصصات العالية، مثل مجلسي النواب والوزراء ورئاسة الجمهورية، أما الرأي الآخر فهو الإبقاء على تلك الرواتب وزيادة الرواتب الضعيفة، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة سقف الإنتاج التشغيلي.

ورصد خبراء اقتصاديون وجود تباين كبير بين رواتب موظفي الدولة، إذ أن موظفاً بدرجة وظيفية معينة في إحدى الوزارات يتجاوز راتبه المليون ونصف المليون دينار في حين لا يتقاضى نظيره في وزارة أخرى نصف هذا الراتب، وتتصاعد الرواتب بتصاعد الدرجات الوظيفية واختلاف المخصصات الشهرية فضلاً عن الأرباح السنوية في بعض الوزارات المنتجة ,, وعلى إثر هذا التباين يعرب الموظفون في الوزارات ذات الرواتب المتدنية منذ سنوات عن استيائهم مما يصفونه بـ”الإجحاف والتمييز” بين موظفي الدولة، مما دفع الحكومة إلى إعداد مسودة قانون لسلم رواتب جديد يحقق العدالة بين الموظفين.

قد يعجبك ايضا