صور تروي قصص الأنفال وتُبقي الذاكرة حيّة

 

أربيل – التآخي

في معرض فوتوغرافي يحتضنه إقليم كوردستان مع حلول ذكرى جريمة الأنفال، يقف المصور سركو جاف خلف عدسته ليعيد سرد قصة شعبه، ليس بالكلمات، بل بالصور التي توثق لحظات من الحزن العميق والمعاناة المستمرة منذ أكثر من ثلاثة عقود.

تعود جذور هذه الصور إلى 16 عاماً مضت، حين عادت رفات 138 ضحية من ضحايا الأنفال إلى منطقتهم في كرميان. من بين 21 صورة في المعرض، تبرز صورة واحدة حملت قصة مؤثرة لم يستطع سركو نسيانها.

قال جاف: رأيت امرأة تُقبّل جميع النعوش، واحدة تلو الأخرى، لم تفوّت واحدة من الـ138 شاحنة. الشرطي كان يحاول إبعادها بلطف، سألته لماذا يدفعها؟ قالت لي: لا أعرف أي منهم طفلي… لذلك أريد أن أقبّلهم جميعًا، علّ إحدى القبلات تصل إليه.

مشهدٌ يتكرر كل عام في مثل هذا الوقت، حين تُنظم فعاليات فنية وثقافية في ذكرى هذه الجريمة الجماعية، في محاولة لإبقاء الذاكرة حاضرة ونقلها إلى الأجيال الجديدة، من خلال أعمال فنية تعبّر عن الوجع الكوردي بلغة الفن.

الفنان بختيار حلبجة يشارك هو الآخر في إحياء الذكرى من خلال عمله الرمزي: هذا النصب التذكاري يُعد رمزًا لجريمة الأنفال في أغلب مدن كوردستان. تصميمه يحمل دلالات مؤلمة؛ جمجمة ترمز إلى المدنيين الذين دفنوا أحياء، وغالبًا ما كانت أعينهم مقيّدة. أما الجناحان في النصب، فهما رمزان لارتقاء أرواحهم إلى السماء.

رغم تعاقب السنوات، تبقى جريمة الأنفال جرحًا مفتوحًا، لا يستطيع قلم أو صورة أن يعبّرا عنه بدقة تامة، غير أن الفنانين الكُرد يجدون في أعمالهم نافذة لتوثيق المأساة وكشف حجم الظلم للعالم.

الفن هنا ليس فقط وسيلة تعبير، بل هو شهادة حيّة، ورسالة لا تنتهي.

وتُعد عمليات الأنفال (بالكوردية: کارەساتی ئەنفال) واحدة من أبشع الجرائم الجماعية التي ارتُكبت بحق الكورد في العراق، حيث نفذها النظام العراقي السابق بقيادة صدام حسين في عام 1988 ضد سكان إقليم كوردستان، تحت ذريعة التهديد الأمني.

قاد الحملة علي حسن المجيد، الذي شغل آنذاك منصب أمين سر مكتب الشمال لحزب البعث، واعتُبر الحاكم العسكري الفعلي للمنطقة، إلى جانب وزير الدفاع الأسبق سلطان هاشم الذي كان المسؤول العسكري المباشر عن العمليات.

أُطلقت تسمية الأنفال على الحملة نسبة إلى سورة الأنفال (السورة الثامنة في القرآن الكريم)، والتي تتناول موضوع الغنائم بعد معركة بدر.

شاركت في تنفيذ الحملة قوات من الفيلقين الأول والخامس في الجيش العراقي، بالإضافة إلى وحدات من الحرس الجمهوري، والجيش الشعبي، وأفواج المرتزقة الجحوش التي أنشأها النظام آنذاك.

وقد جرت الحملة على ست مراحل متتالية، استهدفت قرى ومناطق بأكملها في محافظات كركوك وأربيل والسليمانية ودهوك، وانتهت بعمليات تهجير ودفن جماعي لعشرات الآلاف من المدنيين، بينهم نساء وأطفال.

تُصنف الأنفال اليوم من قبل منظمات حقوق الإنسان الدولية على أنها جريمة إبادة جماعية، ولا تزال آثارها النفسية والاجتماعية والسياسية حاضرة في الوجدان الكوردي حتى اليوم.

قد يعجبك ايضا