د.توفيق التونجي
“كل سلطة حاكمة تفقد شرعيتها حين تبدأ بقتل مواطنيها”.
الأنفال كلمة وردت في القرآن الكريم، في سورة الأنفال الآية الحادية عشرة. وتُستخدم الكلمة في العديد من اللغات، بما في ذلك اللغة الإنجليزية. استعملت الحكومة الفاشية البعثية هذه الكلمة عنوانًا لحملات إبادة جماعية استهدفت المدنيين الكُورد، لتكون وصمة عار على جبينها، ضمن سلسلة عمليات عسكرية في كوردستان كانت تهدف إلى إنهاء الوجود القومي للشعب الكوردي.
بدأت تلك العمليات في حملتها الأولى عام 1988، واستمرت عبر سبع حملات متتالية، كانت بقيادة أمين سر مكتب الشمال لحزب البعث، ونفذتها قوات الفيلقين الأول والخامس، بمشاركة الجيش الشعبي، وقوات الدفاع الوطني، والحرس الجمهوري.
الجدير بالذكر أن سياسة الأرض المحروقة اتبعتها العديد من الحكومات السابقة، إلا أنها بلغت ذروتها في عهد البعث، بدءًا من حملة “أنفال رقم واحد”، حيث تم تدمير القرى، وتهجير سكانها، ومن ثم قتلهم أحياءً في مقابر جماعية لا تزال تُكتشف حتى اليوم في عموم العراق.
هذه الجريمة ضد الإنسانية لم تُعطَ ما تستحقه من اهتمام، وبقي ضحاياها دون إنصاف حتى يومنا هذا.
ومع سقوط نظام البعث (الأسدي) في سوريا نهاية عام 2024، وبعد انهيار نظام البعث (الصدامي) في العراق عام 2003 باحتلاله، تنتهي إلى غير رجعة سلطة هذا الحزب القومي الفاشي الإرهابي، لينضم إلى القائمة السوداء إلى جانب: النازية، والفاشية، والطورانية، وسائر الأفكار القومية والإمبراطورية المتطرفة.
وهنا تجدر الإشارة إلى بعض الحقائق حول هذا الحزب، ومن أبرز مؤسسيه:
- ميشيل عفلق
- شبلي شميل
- شبلي العيسمي
- إلياس فرح
- أنطوان سعادة
- صلاح البيطار
- زكي الأرسوزي
- أكرم الحوراني
- صلاح جديد
- وآخرون
ولو قمنا بجردٍ لمكتسبات الحزب منذ تأسيسه في نيسان من عام 1947، وخلال توليه السلطة، سنجد أن جريمتي الأنفال واستخدام الغاز في مدينة حلبجة هما أبرز ما وُسِم به تاريخه الدموي.
الرسالة “الخالدة” التي نادى بها الحزب لم تقدم للإنسان في الشرق ولا للإنسانية جمعاء سوى الجرائم ضد الإنسانية، فقد هاجر الملايين من أبناء العراق وسوريا وتركوا أوطانهم وتحولوا إلى لاجئين في شتى أصقاع الأرض.
ناهيك عن زجّ خيرة أبناء الوطن في السجون والمعتقلات، حيث قُتل المئات اغتيالًا أو إعدامًا، وهُدرت كراماتهم. كما أن مدنًا وقرى كوردستان قُصفت ودمّرت بالكامل، وتحوّلت إلى خرائب، وارتُكبت فيها مجازر، ودُفن أبناؤها أحياءً.
جلّ حروب الحزب كانت ضد شعوب المنطقة: في سوريا، وكردستان، والكويت، وإيران. كما سعى إلى زرع العداء والتفرقة بين شعوب دول المنطقة.
ثروات العراق وسوريا أُهدرت في شراء الأسلحة ومعدّات الحرب، والدعاية للنظام، وإيداعات غير مشروعة في البنوك الأجنبية، فضلًا عن الفساد والمشاريع الوهمية وشراء الذمم.
كما انتهج سياسة تعريب وتزييف تاريخ شعوب المنطقة، وفرض “التبعيث” على السكان وتغيير قومياتهم، وجعل الحزب هو الحاكم الأوحد، بلا أي معارضة. وجُيّش الجيش ليكون حامي الطاغية وعدو الشعب، وتحولت الأجهزة الأمنية والشرطة إلى أدوات في خدمة الحزب والطغاة.
اليوم، ونحن نستذكر كل تلك الجرائم، وخاصة عمليات الأنفال، نجد أن من يحملون تلك الأفكار لا يزالون يبثّون التفرقة بين أبناء الشعب، ويتهيّؤون في الخفاء للانقضاض على الأنظمة التي سمحت لهم بالعمل الحر على أراضيها.
ستبقى عمليات الإبادة الجماعية، وما سُمّي بـ “الأنفال”، جريمة ضد المدنيين من الشعب الكردي، وتاريخًا أسودًا يتجدد كل عام في الذاكرة الجمعيةً لشعب كوردستان.
المجد للأرواح التي أُزهِقت ظلمًا في تلك الأيام العصيبة، ومثواهم الجنة بإذن الرحمن.