حسين مردان، القديس الفاجر الذي يهيل الجبل على الشعراء

 

 

د. صدام فهد الأسدي

في 16/10/1970 دفعتني الشاعرية ان اخترق عوالم حسين مردان احمل معي مجموعتي زوارق الاحلام كي يقدم ملاحظاته، ودخلت متفائلا بالأمل بلقاء شاعر كبير مثله، فقدمت نفسي وقلت انا شاعر، فرفع راسه مستغربا غضبا ومسك ديواني ومزقه وقال: (اخرج والق شعرك في سلة المهملات)!

 

 

وخرجت يائسا ما هذا؟! انها صدمتي الاولى وانا ارى بغداد مدينة الشعر والابداع وعرفت بعد سنين وانا امارس الكتابة الشعرية طوال اربعة عقود انه كان على حق بتمزيق مجموعتي وامري بإلقائها في سلة المهملات وكان لا يثبط عزيمتي انما كان يرى الشعر في العراق زائدا على الوطن،

 

 

هكذا تبدا رحلتي مع (دكتاتور الحركة الادبية في العراق) الشاعر الي باستطاعته ان يهيل الجبل الكبير على أي شاعر وان يضعه فوق ناطحات السحاب، لم يحب مردان الا ((نفسه الى المارد الجبار الملتف بثياب الضباب،الى الشاعرالثائر حسين مردان)) هذه البداية التي سينطلق منها البحث، في مقدمة قصائد عارية قال حسين: (انا القديس الفاجر)(انا ضد العالم وضد الحياة وضد كل شيء) لذا وقف الباحث جمال مؤكدا ((معرفته المرأة من خلال المرأة البغي فقط ولذلك كانت جميع آرائه وقصائده تتغنى بها)) لذا جاءت صرخات الحب الداوية العارية ((الحب ان لم نلتصق مرة/سالوفة مجهولة الموعد))غبية من تقضي ايامها/وحيدة في ظلمة المرقد)) ان الشاعر يعلن وبصراحة ((انا لا اخاف من السماء ولست اؤمن بالقدر)) مهما عشقت فلن يدوم العشق في قلبي شهر)) ماذا تقول المرأة بعد هذا وقد سلمته نفسها وهو يقول ((الشاعر الجنسي كغيره من الشعراء الاخرين يبحث عن الحقيقة حتى لو كانت بشعة، وابشع ما يمكن فلا يمكن ان يعم الشاعر الجنسي بالانحطاط)) وقد يقف امام التقي قائلا ((ثق انك لا تفضلني على الرغم من قذارتي الا بشيء واحد وهو اني احيا عاريا بينما انت تحيا ساترا جسدك بألف قناع) انه يعيش قلقا قائلا(منذ عشرين عاما وانا انتج البهجة لأفئدة الناس فماذا كانت النتيجة؟! وها انا وحدي فوق قمة افرست امضغ الصبار)) وتعال معه الى امرأته المفضلة ((قد اقتحمت دائرتي المتجمدة امرأة صغيرة واستقرت في احشائي كالنبلة اني اشعر لأول مرة بالاندحار)) لماذا يندحر مردان امام المرأة لأنه لا يستطيع ان يقدم لها احساساته وانفعالاته فالخمرة تحرق الرجل لذا وضع تعريفات للحب ((الحب بذرة لا تنبت الا في تربة من نار، ولا تورق الا اذا سقيت بالدم الابيض) واترك للقارىء ان يجد دلالة للدم الابيض، وقد جاءت نساؤه بكل التسميات والالقاب (صديقتي البغدادية-القطة النمساوية-بائعة التذاكر-التي راها ترقص مع رجل املس-الجنية اللعوب-السلحفاة العظيمة-اللبوة المفترسة-المرأة البغي-الطفلة التي تفوح رائحة الحليب من فمها-المرأة نهلستية الشفتين-العاهرة الفقيرة/المرأة المائة)هذه نساء مردان وصل عدها في كتاباته الى مئة امراة، وهو يبحث عن اللهو والعبث بكل مكان، فقد زار البصرة في الستينات ودخل ليلا الى احد الملاهي وراى السكارى تصرخ وتعلق على الراقصة البغي الجميلة فقال (سموك عاهرة ولو عقلوا لما—نادوك الا بالملاك المجهد/يستحقرونك يا بغي وانهم /لأشد منك حقارة فتمردي) هذه مواقف مردان التمرد على كل شيء حتى على نفسه، لا يحترم من يجلس تحت سقف، وقد البس المرأة الحبيبة نبضات قلبه وطرز لها وشيعة الحرير وقد صرخ كثيرا(لم تعرفوا قيمتي) انه بودلير العراق حقا بلحنه الاسود ومرجوحته الصارخة وقصائده العارية، انه شيخ المشردين من الهندية الى قمة الجبل، كيف لي في بحث ان احيط بالشاعر العملاق لأنه لا يستوعب الا الشعر وقد مزق مجموعتي محقا، وان في قلبه ظماء للحرية وفي عروقه شوقا للحياة، لم يكن شيء بالأمس وهو كل شيء اليوم لمن يعرف الشعر ويفهم ابعاده، فالسياب وسعدي يوسف قمتا البصرة وحسين مردان والبياتي قمتا بغداد حقا –كان خائفا من نفسه المحرومة الا من الخمرة ومن مجتمعه وشرائحه الا المرأة وقف معها متذبذبا متناقضا مصابا بالإحباط كرشدي العامل والحصيري،

وهو القائل عن سيادته للشعر ((حتى السياب وهو الشاعر الفذ كان يقرأ ألي قصائده الجديدة، لا لأني شاعر حسب بل لأني أحد منظري الشعر)).

 

قد يعجبك ايضا