د. ابراهيم احمد سمو
نيجيرفان بارزاني: من أبوظبي إلى أنطاليا وصولًا إلى الإليزيه… قراءة في تحركات رجل الدولة.
رسالة واحدة بهدوء الكبار ، لا راحة لمقاتل، ولا استراحة لمن اعتاد أن يحمل هموم شعبه في قلبه، حتى في لحظات الغياب، لا يغيب عن الساحة، بل ينسحب إلى خلوة الضرورة، حيث تلتقي التجربة مع الحكمة، ويعاد ترتيب أدوات النضال بأسلوب جديد. الرئيس نيجيرفان بارزاني، لا يظهر كثيرًا، لكنه حين يظهر، يُحدث أثرًا. وإذا غاب، فإن حضوره يكون قد سبق خطواته في الكواليس، حيث تُنسج خيوط السياسة.
من أبو ظبي إلى أنطاليا، جولة حملت ملامح التحرك الواعي في زمن التحولات الإقليمية المتسارعة. لم تكن زيارات مجاملة، بل محطات في مشروع متكامل، يتعامل مع الواقع السياسي كما هو، لا كما نتمنى. وكل لقاء كان خطوة نحو تثبيت الصوت الكوردي في قلب ما يُرسم للمنطقة من خرائط سياسية جديدة، بعضها معلن، وأكثرها غير معلن.
في منتدى أنطاليا، لم يكن الرئيس نيجيرفان بارزاني مجرد مشارك في فعالية دبلوماسية. لقد كان حارس المعنى الكوردي وسط لغة المصالح المتشابكة. جلسات رسمية، لقاءات جانبية، حوارات مفتوحة وأخرى مغلقة، كلها تمت برؤية واضحة، وحضور سياسي لافت. في كل زاوية، كان هناك علم كوردي، يرفرف بجانب أعلام الدول الكبرى، ليس بتفضل أحد، بل باستحقاق نضالي وتاريخي لا يمكن إنكاره.
في استقبال رسمي لافت، اجتمع معه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بحضور أعلام : تركية، وعراقية، وكوردستانية، في مشهد رائع ، حيث بدا العلم الكوردستاني واضحًا، قريبًا من الرئيس، في رسالة لا تحتمل التأويل. بعدها كان لقاء آخر مع الرئيس السوري الشرعي ورموز الدولة السورية، حيث رُفع العلم الكوردستاني قبل وصوله، وظل إلى جانبه في كل لحظة.
اللقاء مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، لم يكن عاديًا؛ وفد روسي رفيع، وجلسة عمل مكثفة، وعلم كوردستان يرفرف، لا على الهامش، بل في مقدمة الصورة. تبع ذلك لقاءات مع الأمين العام لجامعة الدول العربية، ووزير الدفاع التركي، والممثل الخاص للاتحاد الأوروبي، إلى جانب لقاءات لم تُعلن إعلاميًا بناء على رغبة الأطراف، وفق قواعد السياسة التي تعرف متى تتكلم، ومتى تصمت.
وها هو الآن، بعد أن جمع الرؤى، ولامس اتجاهات التحول، يعدّ العدّة للذهاب إلى فرنسا بدعوة رسمية من الرئيس ماكرون. والوجهة واضحة: أن يبقى للكورد حضورهم في قلب القرار، لا على هامش الخطاب.
نيجيرفان بارزاني لا يكرر نفسه. فكل جولة يحمل فيها روحه القديمة – نضاله الأول – ويُلبسها معطف الدبلوماسية الحديثة. يتنقل بين العواصم لا ليطلب، بل ليعرض الموقف الكوردي بلغة الدولة، لا بلغة المناشدة. يؤمن أن السياسة لا تصيب اهدافها برفع الأصوات، بل بالثبات، وبأن الظهور الحقيقي ليس أمام الكاميرا، بل في عمق التأثير.
في عالم يموج بالتغيرات، الرئيس بارزاني يختار أن يكون مرآة لصوت كوردستان المتزن، العميق، الذي يتقن لغة المصالح دون أن يتنازل عن الثوابت. حضور يترك أثرًا، لا ضجيجًا