في عوالم “سمو بابير”: حوار مع عبد الرحمن بامرني

حاوره: حسو هورمي

بعد قراءة روايته الأخيرة “سمو بابير”، كان لا بد من لقاء يجمعني بالكاتب عبد الرحمن بامرني، لنغوص معًا في خلفيات الرواية وتفاصيلها، ونستكشف رؤيته للكتابة والأدب.
عن ولادة الفكرة والسرد المختلف، سألته عن البذرة الأولى للعمل، فأجاب: “كل رواية تحمل شيئاً من الذات، لكن ‘سمو بابير’ كانت رحلة في دهاليز الذاكرة الجماعية، محاولة لإعادة رسم لحظات منسية بين الماضي والحاضر”. وعن أسلوبه السردي، قال: “لا أضع حدوداً صارمة بين الأنواع الأدبية، القصة هي من تفرض شكلها. احتاجت ‘سمو بابير’ إلى لغة سلسة تتأرجح بين الأدب والتوثيق”. ثم أضاف حول دور الأدب: “الأدب ليس ترفاً، بل هو مرآة ومطرقة في آن؛ يعكس الواقع ويكسره حين يلزم.”
كما أكد بامرني بأن “سمو بابير” ليست مجرد رواية، بل هي صرخة من عمق الذاكرة، ومرآة يرى القارئ فيها ملامح من ذاته. إنها مولودي الأدبي الثاني، وثمرة نضجت من رحلتي المتواصلة في دروب الكتابة، حيث تمتزج الحكاية بالوجع، ويتحول السرد إلى شهادة على ما كان وما لا يجب أن يُنسى.

 

عودًا على ذي بدء
يقول البامرني، بصفتي كاتبًا وقاصًا كورديًا، لطالما اعتقدت أن ذاكرة شعبنا تحتضن قصصًا منسية ومآسي مدفونة تستحق أن تخرج من عتمة النسيان لتصبح جزءًا من التعبير الأدبي الذي يخلد الألم ويعطيه معنى. تاريخنا الكوردي مليء بالمجازر والإبادات ولم يحصل على اهتمام كافٍ في التوثيق الأدبي، حيث بات الصمت رفيقًا لجراحنا، والمعاناة تآلفت مع النسيان.
حين وقعت عيناي على تفاصيل فرمان ” قرية باسان ” عام 1916، تلك الإبادة التي جرت فصولها في كنف السلطنة العثمانية، على أرض ما يُعرف اليوم بتركيا، والتي راح ضحيتها المئات من الأبرياء من الأطفال والنساء والمسنين… حينها، شعرت أن القصة نادتني، أن الذاكرة استغاثت، وأنني لا بد أن أجيب النداء.
قد تكون هناك عشرات، بل مئات، من الحوادث المشابهة؛ مجازر مرت كالغبار دون أن تُروى. والسؤال الذي ظل يطرق رأسي بإلحاح: أليس من واجبنا نحن الأدباء الكورد أن نوثق تاريخنا، بكل ما فيه من آلام وإخفاقات، من انتصارات صغيرة وخيبات متكررة؟ أليس من حق الأجيال القادمة أن تعرف ماذا حدث؟

 

 

من خلال هذه الرواية، لم يكن هدفي فقط سرد مأساة “باسان”، بل سعيت إلى الغوص في عمق التجربة الكوردية، في فشل الثورات، وتبعثر النضالات، في بحث دائم عن إجابة سؤالٍ جوهري: لماذا أصبحت الشعوب والأمم من حولنا دولًا، فيما بقينا نحن بلا كيان؟

إن إبادة عشيرة باسان كانت أكثر من حادثة؛ كانت مرآة لجهل شعبنا، وثقته العمياء بالحكومات والسلطات التي لم ترَ فيه إلا كيانًا يجب سحقه أو تذويبه. كان لا بد من صوت يُعبّر عن كل هذا، وكان لا بد من بطل، لا يخرج من مخيلة الكاتب فحسب، بل من رحم الحقيقة.
وهنا، وجدت “سمو بابير” رجلًا حقيقيًّا، لم يكن محض خيال. مقاتلٌ شجاع، حمل روحه على كفّه وسعى خلف المختطفين من الأطفال والنساء الإيزيديين، أولئك الذين خطفهم الظلمُ وسرقتهم المآسي. من خلال هذا الرجل، بنيت روايتي، ومن خلاله، نطقت القصة، وصرخت الذاكرة، واستردّت المأساة شيئًا من كرامتها المسروقة.

عن الكاتب:
يقول الأديب عبد الرحمن بامرني، وُلدتُ في قلب الجغرافيا الكوردية التي عرفت الألم صديقًا والصبر رفيقًا. منذ سنواتي الأولى، وجدت نفسي مشدودًا إلى الكلمة، ألوذ بها وأبني بها عوالمَ تعيد ترتيب الفوضى من حولي. بدأت رحلتي الأدبية كقاص يفتّش عن الحقيقة خلف حُجب التاريخ، ويلاحق شظايا الذكريات المتناثرة بين الألسن والخرائط.
“سمو بابير” هي روايتي الثانية، بعد عمل أول حاولت فيه التقاط نبض الإنسان الكوردي بين مطرقة الواقع وسندان الحلم. في كتاباتي، لا أبحث عن البطولة بقدر ما أبحث عن الصدق؛ عن أولئك الذين ظلوا طيّ النسيان بينما كانوا يشكلون جوهر الحكاية.
أؤمن أن للأدب دورًا يتجاوز الترف والجمال، فهو شاهدٌ، وحارس لذاكرة الشعوب. ولهذا، كتبت… وسأظل أكتب.
انتهى اللقاء، لكن الأسئلة بقيت. فكما يقول بامرني: الروايات الحقيقية لا تنتهي… إنها تفتح نوافذ جديدة في كل قراءة.

 

السيرة الذاتية للكاتب: عبد الرحمن بامرني
– الميلاد: 1970
المسيرة الأدبية:
– بدأ النشر عام 1987 (أول عمل منشور).
– لديه 23 كتابًا مطبوعًا في مختلف المجالات الأدبية والفكرية بالغة الكوردية وترجمت أعماله للغات عدة.
المسيرة الصحفية:
– عام 2004 أصبح رئيس مكتب تحرير جريدة جاودير في دهوك.
– عام 2005 أصبح رئيس تحرير جريدة جافدير.
– عام 2011 أصبح رئيس تحرير مجلة جافدير.
– عام 2017 أصبح عضو هيئة تحرير صحيفة صباح كردستان.
– عام 2020 أصبح رئيس تحرير موقع “روانكه والنقد”.
– عام 2024 أصبح مشرفًا على كوردستان الجديدة بادينان.
العمل المنظماتي:
– رئيس منظمة التنوير لنشر الديمقراطية.
تميزت مسيرته بالإثراء الثقافي والصحفي، حيث ترك بصمة واضحة في المشهد الإعلامي والأدبي.

قد يعجبك ايضا