الفيدرالية واللغة الكُردية: استحقاق لا منّة

آناهيتا حمو
منذ قرن من الزمن، وشعب كُردستان يرزح تحت نير التجاهل، والتهميش، ومحو الهوية، وكأنما التاريخ أراد أن يختبر مدى صلابة هذا الشعب في التمسك بكيانه وحقه في الحياة بلغة الأم وكرامة الوجود. واليوم، ونحن نقرأ مسودة الدستورالجديد لجمهورية كُردستان الغربية، نلمس بقلوبنا قبل عقولنا ذاك الفجر الكُردي الوليد، فجر الفيدرالية، والاعتراف الرسمي باللغة الكُردية، لغة القلب والبيت والأم.

اللغة الكُردية: أكثر من أداة تواصل، هي هوية وإنتماء اللغة ليست مجرد كلمات؛ إنها بيت الروح ومرآة الذاكرة الجمعية. إن اللغة الكُردية عانت لعقود من السياسات القمعية والطمس الممنهج، حُرِّمت في المدارس، ومُنع تداولها في المحاكم والمؤسسات، في سابقة تتنافى مع كل الأعراف الدولية.

واليوم، حين ينص الدستور في مادته التاسعة:
"تلتزم الدولة بإطلاق برامج وطنية لتعزيز اللغة الكُردية، وجعلها لغة تعليم رئيسية تدريجياً، مع ضمان الحقوق اللغوية لجميع المكونات الأخرى"
نحن لا نتحدث عن منّة من سلطة عليا، بل عن استحقاق طبيعي أصيل، تؤكده المادة (27) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة (30) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والإتفاقية الدولية لحماية حقوق الأقليات الثقافية واللغوية.

الفيدرالية: صيغة عادلة لشراكة حقيقية إن الفيدرالية ليست تقسيماً أو تفتيتاً، كما تروج بعض الأنظمة الاستبدادية، بل هي آلية راقية لإدارة التنوع، وضمان العدالة والتمثيل السياسي المتكافئ بين المكونات.

التجارب الفيدرالية الناجحة مثل سويسرا، كندا، ألمانيا، الهند، كلها تضم مكونات لغوية وإثنية متعددة، ومع ذلك بقيت دولاً موحدة مستقرة، لأن العقد الإجتماعي فيها بُني على أساس الإعتراف، لا الإقصاء، والتمثيل، لا التهميش.

الفيدرالية في كُردستان ليست إنفصالاً، بل تصحيح لمسار تاريخي من الإنكار، وعودة لروح الشراكة الطوعية في ظل دولة مدنية ديمقراطية تعددية.

حق تقرير المصير بين القانون والواقع يضمن ميثاق الأمم المتحدة (المادة 1، الفقرة 2) حق الشعوب في تقرير مصيرها. والكُرد شعب موحّد بلغة وثقافة وهوية وتاريخ مشترك، يبلغ تعداده أكثر من 40 مليون نسمة، موزعين قسراًعلى أربع دول رئيسية. ومع ذلك، لم يُمنح هذا الشعب فرصة حقيقية للتعبير عن نفسه بحرية. وإقامة كيان سياسي مستقل يعبر عن إرادته كإنسان من أبسط حقه أن يعيش ضمن دولته.
الفيدرالية ليست إلا الحد الأدنى من هذا الحق، وهي حلّ عملي واقعي يحمي وحدة الدولة ويحقق عدالة الداخل.

الدستور الجديد: نقطة تحول تاريخية الفرح الغامر بقراءة نصوص الدستور لا ينبع فقط من لغته القانونية، بل من روحه التحررية. فلكل أمة لغتها، ولكل شعب دستوره، وللكُرد اليوم مسودة حياة تكتب بلغتهم، وتحترم شهداءهم، وتحتضن تطلعاتهم.

لا بدّ أن نختم بأن الإعتراف بالفيدرالية واللغة الكُردية ليس ترفاً سياسياً، بل ضرورة تاريخية وإنسانية. هو وفاء لدماء الشهداء، ولقيم العدالة، ولكل أم كُردية حلمت أن يكتب طفلها إسمه بلغته الأم.
لذلك، فإن العالم، إن كان جاداً في دعم حقوق الإنسان، مطالبٌ بالإعتراف بهذا الحق، ودعمه قانونياً وسياسياً.
كُردستان ليست مشكلة تبحث عن حل، بل حلّ يبحث عن إعتراف.

قد يعجبك ايضا