الفنانة التشكيلية روناك عزيز بين الحياة واللاحياة .. الانتصار للمرأة انتصار للحياة من طوزخورماتو في العراق الى السويد رحلة التحدي والجمال

ج / 11

عصمت شاهين الدوسكي

 

 

قضیة المرأة في الفن الأدبي ، التشكیلي ، المرئي ولا مرئي أصبح شكلاً ملموساً ، بل صار اللون الھرموني المؤثر للتكوین یفرض نفسھ كشكل ونمط جوھري في الفن وفي الحیاة ، رغم الفوضى والمعاناة ، رغم الجهل ولا مبالاة ، بحقوق المرأة التي كرمھا الله بمنزلة كبرى في الحیاة وديمومتها ، رغم التطور العلمي الذي أوصل الإنسان إلى القمر ، ورغم وجود الكتب السماویة ،ورغم كتابة قوانین في منظمات عالمیة تضمن حق المرأة في الحیاة ، في العیش الكریم ،واحترام كیانھا وذاتھا ،وقبل كل ھذا وصیة نبي الرحمة محمد صلً الله علیھ وسلم :” رفقاً بالقواریر ” لكن نجد موقفاً مؤلماً في العالم في تذلیل المرأة وكسر كیانھا ، واقتناص مشاعرھا ، واغتصاب مشاعرھا قبل جسدھا ،ومحو إحساسھا الجمیل ، بل وحتى جعلھا بضاعة تجاریة رائجة ومربحة لأبخس الأثمان ، في أماكن عدیدة من ھذا العالم ، وتشتد ذروتھا في الأماكن التي تثور فیھا الكوارث والأزمات والحروب ، لا تجد المرأة ملاذاً آمناً ، فتقابل بلا إرادة منھا الضیاع ، التیھ ، التشرد ، الحرمان ، الجوع ، الموت أو الحیاة ، المرأة في حالتھا الذهنية تنسجم كل الانسجام مع حالة تقلبات المجتمع ، في تصوره لما هي الحیاة للإنسان بشكل عام ، رغم خصوصية في ھذا الأمر المھم ، فلا شك أن المجتمع یتماسك ویشتد بسبب الاحترام المتبادل الذي یبدیھ الأفراد لبعضھم البعض ، فعندما یكون مفهوم المجتمع للفرد بصورة عامة ، وللمرأة بصورة خاصة زائفاً ، ملغماً بأفكار سوداویة ، طبقیة ، طائفیة ، حزبیة ، سلطویة ، تحت ستار الدین ، وعباءة الدیمقراطیة ،وظلال الحریة ، فأنه سينهار ، ویتجزأ إلى مجموعتین ، أحداھما خائفة ، والأخرى أنانیة ، متسلطة ، فلا أمان ولا حریة ولا استقرار ، بل جھل وفساد وخراب وحروب لا تنتهي ، إن مفهوم المرأة في ظل هذه الحیاة تمسك بالصدق والواقع المرتبط بالحقیقة المبنیة على خبرتھا الشخصیة ، ومن خلالھا لن تترك مفاهيمها مجرد علب وصنادیق فارغة ، الفنانة التشكیلیة ( روناك عزیز بإحساسھا المرھف وجمال روحھا ورؤیاھا وعمق فكرھا الذي جبلت علیه من طفولتها في ناحیة ” طوزخورماتو ” التابعة إداریا إلى مدینة صلاح الدین وربما تكون كلمة طوزخورماتو غریبة لفكر القارئ ، فمعناھا ذو رأیین الأول مشتقة من كلمة ( خورما ، كلمة كوردیة تعني التمر ، وتو ، وھي كلمة كوردیة أیضا تعني التوت ، فیكون المعنى الإجمالي التوت بحجم التمر ، لكبر حجمھ ، الثاني : الاسم یتكون من ثلاث كلمات ” طوز كلمة تركمانیة تعني الملح ، وكلمتي خورماتو التي تعني التمر والتوت ” ویعزون ذلك إلى اشتهار المدینة سابقا بهذه المنتجات الثلاثة ) الفنانة التشكیلیة روناك عزیز حملت رؤى الطفولة والحیاة وفي أعماقھا حلم جمیل نحو المستقبل ، مستقبل زاهر بالوجود ، والعیش الكریم ، رغم تكریس مفاهيم الحاجة والتسلط والجوع والحرمان التي مدت الإحساس بإضافات شخصیة ،تجعل لھا معنى خاص بھا ، فالمنبهات المجتمعیة الطارئة تختلف كلیا عن الأشیاء التي نراھا ، ركز ھذا المفهوم ، ھذا الإدراك الحسي خلال الدراسة  في بغداد بعد انتقالھا إلیھا ، حیث الرؤى الحیاتیة أوسع انطلاقا وأكثر جرأة ، في عمل یمكن الوصول إليها ، عمل یناسب طبیعة المرأة التي خلقھا الله ،ونتائجھا ینبغي أن تنسجم مع حقائق الطبیعة ونوامیسھا ، وفي ظل هاجس تصحیح المفاهيم ، من خلال تراكم الخبرات الفنیة النابضة ونقل معاناة المرأة عبر اللون والشكل والمعنى التعبیري ، ففي عالم الفن ومعرفتنا لما یدور حولنا ، وإدراكنا وحسنا ومعرفتنا لذاتنا نستكشف معاناة المرأة عبر اللون والشكل والمعنى التعبیري ، ففي عالم الفن ومعرفتنا لما یدور حولنا ، وإدراكنا وحسنا ومعرفتنا لذاتنا نستكشف العالم الذي قد نكون غیر راضیین عنه ، ونسأل أنفسنا ” أیمكن أن یكون العالم ھكذا ؟ ” وقد یكون معیار الحقیقة الذي یظل داخل وعینا الداخلي ، ویتحكم بكل فعل من أفعالنا وسلوكنا وتفكیرنا وإحساسنا ، العملیة الفنیة كلھا تتجمع من أجزاء ھذا المفهوم للعالم ومن تأثیر مصادر متعددة كالطفولة ، البیئة ، المجتمع ، الهواية ، الخبرة ، والتأثیر المباشر والغیر مباشر ، الذي یوازي العملیة الإبداعیة في الرسم ، الفنانة التشكیلیة ( روناك عزیز) في لوحاتھا توقظ الإحساس ، وتلھم الكتابة جملاً صادقة ، تمتلك الأبعاد التي تجسد القدرة الكافیة على التعبیر ، على الرغم انھا تعلن عدم انتماءھا لأي مدرسة فنیة ، فھي ترفض القیود الفنیة بعد مرورھا بالمدرسة التعبیریة ، انھا كالطائر في فضاء واسع ، ترى الواقع بكل وضوح ، برؤیة متقدة فكراً وجمالً ومعنى ، مھما كان الواقع مؤلماً ، وكأنما بلا وعي أستلھمت من كل مدرسة فنیة شیئا ما ، فمن طبیعة لوحات سیزان أخذت جزئاً من الانطباعیة ، ومن الرسام لیوناردو دافنشي سعة الخیال والجمال ، ومن سلفادور دالي شیئاً من الرمزیة وھكذا من كل مدرسة فنیة ، فیضاً ، طیفاً ، راقیاً لیكون ھذا الخلیط الفني ، فناً جمیلاً ، معبراً عن قضایا الإنسان عامة والمرأة والطفل خاصة ، بألوان زیتیة وكولاج واكرلیك ومواد أخرى ، بل ومحافظتها على البیئة بإعادة استخدامھا للورق والجرائد ، ، منذ التحاقھا بكلیة الفنون الجمیلة قسم الفنون التشكیلیة عام 1996 في بغداد بدأت رحلتھا الفنیة الشاقة نحو الحلم والطموح ، نحو إثبات الحیاة في الحیاة ، للظروف الاستثنائیة الصعبة ، الاجتماعیة والاقتصادیة والسیاسیة ، فالدراسة والعمل معا جھد مضاعف ، یحمل كاهل الفنان الكثیر من الھم ، فالبیئة التي تجسد ثقافة فرض القیود حول المرأة خلال عملھا وطموحھا وسلوكھا حتى أحلامھا ، بیئة سلطویة ولیست ثقافیة ، ورغم كل ھذه المعاناة بین الدراسة والعمل الذي یعینھا لتكملة وتكوین الحلم ، تخرجت من كلیة الفنون الجمیلة عام 2000 وأثناء دراستها أقامت معارض خاصة ،وأقامت بمساهمة طوعیة بعمل لوحات جداريه في بغداد وضواحیھا إلى أن انتقلت إلى مدینة كركوك وعملت فیھا مدرسة فنون وكذلك أقامت معارض عدیدة خاصة ، ومشاركات ولوحات مساهمة جداريه ، وعملت ناشطة في مجال حقوق الإنسان ، ونتیجة للظروف القاسیة المؤلمة التي مربھا العراق ، ضاقت سبل الأحلام والطموح ، بین أزمات ومعاناة داخلیة وانهيار مقومات أركان الإنسان والأرض أخذت قراراً شخصیاً لمغادرة العراق إلى السوید ، حیث تجلت الأمور صعبة في بدایة الأمر إلى أن أقامت أول معرض شخصي لھا في موندال المكتبة العامة 2014 وتوالت معارض فنیة أخرى ، كرست جزء من أعمالھا مناصرة لدرء مخاطر الحروب عن العائلة بكامل

عناصرھا وعلى المرأة بشكل خاص لما تمثلھ المرأة من نواة الحیاة ، وجزء من أعمالھالمواجهة العنف المباشر للمرأة في منطقة الشرق الأوسط خاصة العراق وسوریا ، في هذين البلدین تعرضت المرأة بشكل مباشر لانتهاكات ضدھا وضد مستقبلھا إلى حد بیع المرأة المباشر أمام أنظار العالم المرئیة ولا مرئیة ، فجاءت أعمالھا منتصرة للمرأة والطفل اللذان یدفعان الضریبة المضاعفة نتیجة الحروب والفساد والخراب في المنطقة وبانتصارھا للمرأة انتصرت الحیاة ، وھنا لو سألنا كیف تشكلت الرؤیة الفنیة لدى الفنانة التشكیلیة ” روناك عزیز ” وكیف غدت الصفة الممیزة لعملھا الفني ؟ رغبتھا في الوصول إلى الإبداع والتمیز ، سخرت خیالھا الخلاق وإدراكھا وإحساسھا لاكتشاف جدید لعوالم جدیدة لتغدو أداة مساعدة للتأمل ، بحیث الأمور الصغیرة التي قد لا یبالي بھا شخص ما وباعثة على الإهمال ، لكنھا جد نافعة في تحفیز  الذهن والخیال لعوالم جدیدة مختلفة ، وهذه تقع ضمن المدركات الحسیة ، ھي بصورة عامة لا تقتصر على الفنان بشكل خاص ، إضافة إلى تحسین الرؤیة الفنیة التي تمد النظر بالجمال والمعنى الجوھري ، هذه الطاقة الخیالیة الخلاقة على الرسم ، بحد ذاتھا ثروة قیمة تتمكن من استخدام الفرشاة على وفق خیال متقد لقضیة المرأة والطفل والمجتمع بین الحیاة ولا حیاة ، إن تأثیر المحفز لأشكال وألوان الفنانة ” روناك عزیز ” هذه المآسي الهائلة التي تمثلت بین انتهاكات  ضد المرأة وانهيار مجتمع ، لوحاتھا صرخة بوجه العالم ،فان المرء لا یسعھ أن یقف مكتوف الخیال والفكر والإحساس أمام شكل نساء یحیطھن الصمت والمأساة ، والمجھول ، وأمام لوحة تحتاج فیھا المرأة إلى الحب والحنان والاهتمام والرعایة والحمایة ، وامرأة غارقة في الأحلام ، وغیرھا من اللوحات التي تظهر واضحة الخطوط والألوان والأشكال الطبیعیة ، وعمیقة المعنى في الجوھر ، أجزاء متصلة للتوجه نحو التكوین الفني الإبداعي ، عند النظر إلیھا عن كثب یكتشف المرء سبب هذه الرؤیة الفنیة المبدعة وسبب تمیزھا ، في استخدامھا للألوان المناسبة والأشكال الإنسانیة والمضامین التعبیریة ضمن فكر وخیال قد یكون بسیطا للرؤى لكن مؤثرا ومتمیزاً ، قادرا على العرض وعلى إثبات روح الحیاة المعنیة ، مستعینة بروحھا وإحساسھا وإیحاءاتھا المضیئة بشعاع الحقیقة النابضة بالحیاة ، وبقدرتها السحریة الفنیة تأتي بین یدیھا كل الألوان والخطوط والأشكال مطاعة ، حتى لو كانت أشكالاً ظلیه بألوان مختلفة ، عمیقة أو مضيئة ، الذي یمد العمل الفني قوة وجمالاً بین السكون والعتمة ، بین الظل والضوء ، فإن شیئاً من الانعكاسات المثیرة ومن التلاعب الفني بین الضوء والظل یشكل عاملاً حاسماً للجوھر الفني ، بحیث یشعر المرء بخیال مشترك مع الفنان التشكیلي بل یذوي الشعور لیلمس شغاف قلبھ ویصرخ بصمت أمام اللوحة الله ، الله ، الله ، إحساس إنساني مشترك ، الوصول إلى هذه  اللحظات وھذا الإحساس ،ھو مساس للرؤیة الفنیة السلیمة والتمیز الفني والإبداعي ، الظاهري والضمني ویطرأ سؤال : ھل أن توحد عقولنا وخیالنا وإحساسنا وأفكارنا من شأنھ أن یمحو الزمن المؤلم ؟ تزداد نظرة الإنسان المبصرة عمقا ، بالإمكان ” روناك عزیز ” توفر دلیلا على وجود تجربة مجهضة ولیس مجرد عمل من اجل المتعة والمشاهدة ، بل ھي حركة فنیة جارفة موجھة للعالم ، لمیثاق الأمم المتحدة ،لمنظمات حقوق الإنسان ، لكل الشرائع ، لكل الأدیان ، لكل الناس ، فھل هناك حل للحد من انتهاك حقوق الإنسان بصورة عامة وللمرأة والطفل بصورة خاصة . ؟ نترك الرد للمعنیین  .

**********

روناك عزیز

موالید طوز خور ماتو كركوك – العراق حصلت على دبلوم معھد التكنولوجیا في بغداد عام 1990 ، حصلت على شھاده كلیة الفنون الجمیلة عام 2001 ، أقامت عدد من المعارض الشخصیة بین عامي 1996 – 2001 ، عملت مدرسة فنون في محافظة كركوك بین عامي 2005 – 2010خلالھا أقامت عدة معارض فنیة شخصیة ، واستلمت منصب مدیرة جمعیة دجلة للفنون . وناشطة في مجال حقوق الإنسان عام 2011 هاجرت إلى السوید . أقامت أول معرض فني في موندال المكتبة العامة 2014 وأقامت عدد من المعارض في مناطق متفرقة من مدینة غوتمبورغ .

قد يعجبك ايضا