ماكرون في القاهرة: محاولة فرنسية لإعادة التموضع في إفريقيا

نبيل خالد مخلف – باحث سياسي

تُعد زيارة الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون”، إلى مصر في هذا التوقيت إشارة واضحة إلى التحولات الجذرية التي تشهدها السياسة الفرنسية تجاه القارة الإفريقية، خاصة في ظل التراجع الملحوظ لنفوذ باريس في العديد من الدول الإفريقية، والذي بات حديث المحللين والساسة على حد سواء، هذه الزيارة تأتي ضمن محاولة لإعادة رسم ملامح العلاقة بين فرنسا ودول إفريقيا، ولكن من بوابة شمال القارة، وتحديداً “بوابة القاهرة”، في وقت تخسر فيه باريس حلفاؤها التقليديين في غرب ووسط إفريقيا خاصةً دول “خليج غينيا”.

لطالما اعتبرت فرنسا نفسها قوة تاريخية في القارة الإفريقية، مستندة إلى إرث استعماري وثقافي ولغوي طويل، مكنها من الحفاظ على نفوذ سياسي واقتصادي وعسكري واسع لعقود، غير أن السنوات الأخيرة شهدت موجة من الرفض الشعبي والرسمي للوجود الفرنسي، تجلى في الانقلابات العسكرية التي أطاحت بحكومات موالية لباريس في دول مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وسط تصاعد النفوذ الصيني الذي أسس هيكلية تنموية كبيرة عززت من التقارب الصيني الإفريقي إلى درجة كبيرة.

في هذا السياق، يظهر خطاب الرئيس الفرنسي “ماكرون”، الأخير مختلفًا عن خطابات الزعماء الفرنسيين السابقين في العواصم الإفريقية، فقد بدا أكثر تواضعاً، واعترف ضمنياً بتراجع الحضور الفرنسي، ما يعكس إدراكاً رسمياً فرنسياً لحجم التحولات الجارية، إذ لم يعد بإمكان فرنسا الاعتماد على خطاب الهيمنة أو التفوق الحضاري، بل أصبح لزاماً عليها انتهاج مقاربة جديدة تقوم على الشراكة والاحترام المتبادل، وهو ما تحاول ترسيخه من خلال زيارات دبلوماسية إلى عواصم مستقرة مثل القاهرة التي تعتبرها باريس “بوابة الأمل”.

بالتالي، إن اختيار مصر ليس اعتباطياً، فهي دولة ذات ثقل سياسي وثقافي في القارة، ولها علاقات متوازنة مع القوى الدولية، وتتمتع بنفوذ إقليمي يمكن أن يساعد فرنسا في الحفاظ على موطئ قدم لها داخل النظام الإفريقي الجديد المتشكل، كما أن التعاون الأمني والاقتصادي بين القاهرة وباريس في السنوات الأخيرة يعزز من أهمية هذه الزيارة، التي تأتي كذلك في ظل الأزمات الإقليمية المتصاعدة، من السودان إلى ليبيا وحتى غزة.

وفي المجمل، تمثل زيارة ماكرون إلى مصر محاولة لإعادة التموضع الفرنسي في إفريقيا، من خلال حليف قوي ومستقر، في وقت تعيد فيه القارة صياغة علاقاتها الدولية بعيداً عن النفوذ التقليدي، بما يعكس نهاية حقبة وبداية أخرى لا مكان فيها للهيمنة القديمة.

قد يعجبك ايضا