فاطمة علي
ان ماحدث للمعلم الذي تخرج على يده عباقرة من جميع الفئات الاجتماعية، يعتبر تجسيداً للتحديات الجسيمة التي يواجهها النظام التعليمي في هذا البلد. فهو لم يكن
مجرد مُعلم، بل كان رمزاً للأمل والتغيير، يمنح طلابه المعرفة والأمل في مستقبلٍ أفضل.
ورغم أن هذا المعلم قد كرس كل حياته لإلهام الأجيال الصاعدة، إلا أنه يعاني اليوم من الإهانة والضغوط في دولة سلبت كل حقوق العلم والثقافة.
فكل يوم يواجه هذا المعلم القاسي من التحديات ما يتجاوز قدرته على التحمل، محاطًا بجدران من البيروقراطية التي تراكمت على مدار السنين، جاعلة من التعليم عملية معقدة ومليئة بالعقبات.
فبدلًا من أن يكون التلميذ في فصول دراسية ملهمة، ولكنه يجد نفسه في بيئات خانقة، تحرم عقله من استكشاف العوالم الجديدة.
إن شعبية العنف الرمزي والمادي في المدارس، فضلاً عن الإهمال الممنهج، يعبّر عن المأساة المستمرة التي يعيشها كل من يسعى لنشر المعرفة.
في ظل كل هذه الظروف، نجد أن التعليم أصبح نائماً في زاوية مظلمة من الحياة اليومية، بينما تتبجح الحكومات بإنجازات جامدة تعتمد على إحصائيات متلاعبة تناقض الواقع المليء بالركود.
إن هذا المعلم، الذي يحمل في قلبه آمال آلاف الطلاب الذين يتطلعون إلى مجتمع يتسم بالتقدم والتغيير، يعاني من فقدان الأمل في نظام مفروض عليه من قبل أولئك الذين تعثروا في فهم قضايا التعليم وأهميته.
فما بين المحاضرات التي كان يشارك فيها بحماس والمهام الإدارية التي تملؤه الآن، يتصارع ليؤكد لنفسه ولطلابهم، أنه سيظل يقاتل من أجل رسالته.
ومع كل تحدٍ جديد، يكتشف طرقاً مبتكرة لإشعال شغف التعلم في نفوس طلابه، مستخدمًا كل وسيلة ممكنة لتحفيزهم على الإبداع والتفكير النقدي، حتى لو اقتضى الأمر الاعتماد على المواد البسيطة وابتكار أنشطة تعليمية غير تقليدية.
إن شجاعة هؤلاء المعلمين لا تكمن فقط في ثباتهم أمام الصعوبات، بل في قدرتهم على الاستمرار في إلهام الآخرين، وتحفيزهم على الإيمان بأن التعليم هو المفتاح لكسر حلقة الفقر والجهل.
فهم بمثابة النور في نفق مظلم، حيث لا يزال البحث عن المعرفة يتجاوز قيود النظام، ليمنح طلابهم الأمل بأن الغد سيكون أفضل.
إنهم يؤمنون بقدرتهم على تغيير الخريطة التعليمية في بلدانهم، متحدين الصعوبات، ومصممين على عكس السرد الذي يروّج لليأس، ليظهروا للعالم أجمع أن روح التعليم الحقيقية لا يمكن سحقها، بل ستبقى تنمو وتزدهر لتقف شامخة في وجه أي استبداد.
يتحدث المسؤولون عن إنجازات غير موجودة، بينما التعليم يتراجع بشكل مخيف؛ فالمدارس تعاني من نقص التمويل والموارد،
والشهادات التي تمنح لم تعد تحمل أي قيمة حقيقية في عيون العالم. إن كل معلم في هذه الظروف يُعتبر بطلاً، يقف وحيدًا في ساحة المعركة، يحمل على كاهله آمال الطلاب الذين يتطلعون إلى مستقبل مشرق، في عالم مليء بالظلام. إن ما يستحق التقدير هو شجاعة هؤلاء المعلمين، الذين ما زالوا يحاربون من أجل الحق في تعليم حقيقي، رغم كل العقبات والفوضى التي تحيط بهم.
إنهم ليسوا مجرد موظفين، بل هم قادة في مجتمعاتهم، يعملون بلا كلل أمام موجات الإحباط والتحدي. إنهم يحملون شعلة الأمل في قلوبهم، ويثابرون في المضي قُدماً، على أمل أن يأتي يوم تتحرر فيه عقولهم وقلوبهم من قيود الجهل والاستبداد، ليعود التعليم إلى مكانته كأداة للنمو والتغيير الحقيقي.