شفان ابراهيم
كوردياً، لم يختلف مشهد إعلان الحكومة الجديدة في قصر الشعب يوم السبت 29-3-2025، عن سابقاتها من مشاهد تنصيب الوزراء وتوزيع المناصب خلال العقود الماضية؛ إذ لم يصدف أن يجد الكورد أنفسهم ضمن القصر الجمهوري سابقاً. علماً أن لا أحد يملك حق تجريد معالي الوزير السيد “محمد تركو” وزير التربية، من قوميته وانتماءه، ولا الادعاء والحكم المسبق حول ما سيفعله.
القصة أكبر من ذلك، شخصياً أتمنى لمعالي الوزير الكوردي السوري كُل الموفقية والنجاح، ومن ينتقده اليوم، سيلجأ إليه في أول مطلب أو مُشكلة تتطلب حلاً، وهذا أمر اعتيادي أن يُخاطب كُل ذي حاجة أقرب الناس لنفسه ولغته، إلى حين أن نخرج سوية من عنق الزجاجة وأن نعتبر أن كُل من يشغل أيّ منصب، إنما يُمثل كُل السوريون، وهذه تحتاج للكثير من العمل والتغيرات في صُلب العمل السياسي والنواظم القانونية وعلى رأسها الإعلان الدستوري.
إذاً أُعلنت الحكومة، بوجود وزير كوردي واحد فقط، تم اختياره من الجسم الإداري الموجود، إذ كان سابقاً يشغل منصبًا مهمًا في رئاسة جامعة دمشق، لينتقل إلى واحدة من أعقد وأصعب المهام الوزارية، إذ أن حجم الضرر الذي أصاب التعليم والتربية في عموم سوريا وخاصة تشتت المطالب بين عدة مناهج تربوية تابعة لجهات مختلفة (الإدارة الذاتية، برامج الأمم المتحدة، النظام السوري، التعليم الخاص في المنازل)، وما رافقها من تسييس للمناهج واستغلال الطالب والعملية التعليمية لبسط المزيد من النفوذ والسيطرة الأمنية والعسكرية، والربط بين المتغير السياسي والأمني ودوره في العملية التعليمية، بشكل أخص للمرحلة ما قبل الجامعية، والتي هي صُلب عمل الوزير الجديد، وحالياً الصراع بين الإدارتين في القامشلي ودمشق حول أحقية الإشراف على امتحانات الشهادتين الإعدادية والثانوية، وأين وكيف ستتم الامتحانات ومن سيشرف عليها، الوزارة في دمشق أم هيئة التعليم للإدارة الذاتية…إلخ من القضايا الصعبة جداً، والتي ستُحدد مصير التعليم ومستقبل الطالب على اثرها.
لكن في الضفة الأخرى من الحدث ثمة أربع قضايا مترابطة ومُلحة، أولها: بالنسبة للكورد القضية لا تُحل حتّى لو أُسندت وزارات سيادية للأحزاب السياسية الكوردية أو المستقلين الكورد، القضية تعود لجوهر الصراع، اين موقع الشعب الكوردي في المعادلة السورية سياسياً وقانونياً ودستورياً، وهل من مُستمع للرفض الكوردي للهويّة العربية عليهم من جديد.
ثانيتها: لا معالي الوزير قال إنه ممثل عن الحراك السياسي والشعبي الكوردي، ولا الأحزاب الكوردية قالت ذلك ولم تتجه لإسقاطه ايضاً، وممن حق أيَّ شخص اختيار المكان الذي يجد نفسه فيه، وككل الكيانات فإن هيئة تحرير الشام تتضمن كُتلة كوردية ضمن صفوفها أو مقربة منها، والخوف أن يتم اقتصار التمثيل الكوردي على تلك الكتلة فحسب.
ثالثتها: ماذا سيفعل الدكتور “محمد تركو” حول أبرز مطلب تاريخي للكورد منذ عهد الفرنسيين وإلى اليوم، وهو مطلب الاعتراف الرسمي باللغة الكوردية، كلغة رسمية في المدارس ولغة التدوين والمراسلات، وصحيح إنه يمثل كل السوريون وليس الكورد فقط، وعليه التصرف كسوري، لكن قضايا جوهرية كاللغة والمناهج لمكون أساسي ليست خروجاً عن الوطنية بل عمق وجذر أساسي لها.
ورابعتها: المفروض أن سوريا تغيرت اليوم، وأصبح الخوف من طرح حقوق المكونات والقوميات من الماضي، ولا سطوة للأمن والبعث بعد اليوم، ويمكن لمعالي الوزير أن يلعب دوراً فاعلاً في تقارب وجهات النظر بين الأطراف السياسية الكوردية ورئيس المرحلة الانتقالية السيد أحمد الشرع، وتُقديم للكورد ما حُرمه منه سابقاً حول كل ما يتعلق بالتربية والتعليم.
تتساءل النُخب الكوردية حول مصير سوريا وإلى أين ستمضي، سلسلة من الإجراءات والقضايا التي يعتبرها الكورد تتالي الاجحاف بحقهم، مؤتمر حواري وطني غاب عنه التمثيل السياسي الكوردي، إعلان دستوري عرّب هويّتهم وحاصر لغتهم وثقافتهم، وتشكيل حكومة لم تتعامل مع كتل سياسية كوردية تاريخية، وقضية شعب عاين ما شاهده يوم السبت منذ نصف قرن تقريباً هذه من جهة التخصيص.
ومن الجهة السورية العامة، فإنهم يحملون الهم الوطني كالاستفسار حول نتائج ما حصل في الساحل، وشكل الدولة ونظام الحكم، وهوامش الحريات والديمقراطية، وحقوق المرأة، وعلى رأس الأولويات تأتي قضية العدالة الانتقالية، إلى أين وصلت، ومتى تتشكل لجانها ومحكمتها؟ وأين باقي التشكيلات السياسية من الديمقراطيين والليبراليين والاشوريين وجميع قوى المعارضة الوطنية السورية.
كل هذه القضايا لا تنفصل عن الهم الكوردي من تشكيل الحكومة السورية الجديدة، خاصة وأن الألسن المُدافعة عما يجري ويحصل في أروقة الحُكم في سوريا تقوم على تكرار سردية “لا مُحاصصة، والاعتماد هو على الكفاءات” وكأن ما يجري ليس مُحاصصة أو أن المجتمع الكوردي عاقر من الكفاءات وذوي الخبرات والشهادات الأكاديمية.
لم يبقى أمام “العهد الجديد” حالياً سوى تشكيل مجلس تشريعي “شعب” ويُخشى أن لا يخرج عما سبقه من كيانات وممارسات سابقة منذ مؤتمر النصر إلى الحكومة الجديدة.
القضية بالنسبة للكورد ليس مهاجمة أو مناصبة الحكومة الجديدة العِداء، بل باختصار هو الإصرار على الخروج من نسق المعارضة التي وجدوا أنفسهم ضمن صفوفها منذ نهاية حقبة الخمسينيات وإلى اليوم، والدخول إلى صفوف الكُتل السياسية المشاركة في بناء سوريا الجديدة، وبما تتطلبه هذه النقلة من حيث المكان والموقع والفكر، من متطلبات الأمان والانتماء والنواظم القانونية لها.