تُولد الحرب في عيون الأطفال

 

حيدر الشمري

في زوايا المدن المحترقة ، يتكوّر الأطفال كأحلام مبتورة ، يختبئون خلف جدران تصدّعت من القصف ، ينتظرون قذيفة طائشة أو قنّاصة بلا قلب ، لا يعرفون لماذا احترق البيت ، أو لماذا اختفى والدهم تحت الأنقاض ، ولا يدركون سرّ هذا العالم الذي صار فجأة بلا نافذة ، بلا سماء زرقاء ، بلا حقول للركض أو ضحكاتٍ كانت تنبت في الأزقة .

هناك في أطراف المدينة ، تقف طفلة لم تبلغ عامها السادس ، تحتضن دميتها الممزّقة ، لا تبكي ، لأن الدموع انتهت منذ زمن ، ربما مع آخر صاروخ مزّق قلب أمها ، أو حين صمتت يد أبيها للأبد ، تنظر إلى الخراب بعينين واسعتين ، وكأنها تحمل ذاكرة قرنٍ من الحزن .

في حرب المدن ، الأطفال هم أول من يخسر الطفولة ، وآخر من يرحل عن ساحة الألم ، أجسادهم الصغيرة تعتاد الخوف ، وأحلامهم ترتدي ثوب الجنود ، تركض خلف خبزٍ مفقود أو قنينة ماء ، يتعلمون كيف يصمتون في حضرة الموت ، وكيف ينامون على أصوات المدافع وكأنها تهويدة حزينة . كل شارع مدمّر يحكي قصة طفل كان يرسم على الجدران شمسًا وسماء ، وكل منزل مهدم كان ذات يوم يخبئ بين جدرانه ألعابًا وقصصًا قبل النوم ، الآن، كل شيء صار رمادًا ، حتى الضحكات .

تُولد الحروب في المدن ، لكنها تكبر في قلوب الأطفال ، تسرق ملامحهم ، وتنسج من أعمارهم ذاكرة موجوعة لا تمحى ، وما بقيَ منهم

مجرد عيونٍ تسأل العالم بصمتٍ : لماذا … !؟

قد يعجبك ايضا