كيف يترجم الاديب عواطفه  

 

د . صباح ايليا القس

 

العقل هو مفتاح التأمل والفكر الانساني تتجاذبه مسارب شتى , فهو يجتهد ان يجري توازنا بين الامور العقلية والامور العاطفية اذ هما في كيان واحد يتبادلان المواقع في داخل  الجمجمة .

يعتقد بعض الناس ان العقل يقلل العاطفة بل يحجمها احيانا بداعي العلمية احيانا والوفاء والموقع الاجتماعي في احيان اخرى لكن هل يستطيع العقل مهما كانت قوته وصرامته ان يتجاوز النزوات التي تعتمل في الجسد فتوقده نارا حتى انها تؤثر في دقات القلب وتوتر الاعصاب ولا يمكن ان تنجلي هذه الشعلة حتى تنال مرادها .

العاطفة هي دفقات الروح ممثلة بالاحلام التي تراود الانسان صاحيا او نائما وهي استذكارات تتأرجح امام النواظر والخواطر وليس منها مهرب سوى الكبت والعذاب بعد ان يكون العقل قد دس مخالبه واقتلع الى حين تلك الهواجس .

هذا الصراع يعتمل في النفس فهناك الرأي والرأي الآخر وقدم الى الامام واخرى الى الخلف , اندفاع وانسحاب .. تداعيات كثيرة يعانيها الاديب بحيث يغيب الطموح وتتشتتت الافكار وتهمد العاطفة الا ان يثور القلب وترتجف الاطراف وتغتلي النفس بالطاقة الفعالة وتسمو الذات الانفعالية ليكون هناك صوت تطرب له النفس وتعلو الذائقة الشعرية على وجه خاص والنثر بشكل عام ..

في جميع الاحوال لا يمكن ان يستغني القلب عن العاطفة حينها لا يكون الا جهازا دافعا للدم وليس غير ذلك .. مع العلم ان الناس على الاغلب يعطون القلب قيمة عاطفية لكنه في الحقيقة الواقعية ليس سوى جهاز مثل الاجزاء الاخرى من الجسم يعمل بصورة ميكانيكية وهو في الواقع لا علاقة له بالعواطف والاحاسيس مطلقا من الناحية التشريحية وما الرسوم والاشارات الا خدعة من اجتهادات الناس ونحن نستعملها على سبيل التقليد ..

معنى هذا ان العقل في الواقع هو المسؤول الاول والاخير عن الدفقات العاطفية بغض النظر عن نوعها وقوتها ومداها ..

لا بد من الاعتراف ان القابلية العقلية هي التي تتحكم بالهواجس الانسانية وعلى قدر ما يكون العقل من النشاط وكثافة الادراك يكون الثراء العاطفي والعكس صحيح , فيمكن ان يكون العقل فارغا وسطحيا وساذجا وعلى هذا القدر تكون العواطف ضحلة بسيطة , ومتى كان العقل قادرا واسعا وعظيما كان الخصب والنماء العاطفي وهكذا نجد العاطفة الكبيرة والعالية عند المتصوفين والقديسين والعشاق المتيمين الذين عرفهم الشعر الجاهلي مثل قيس بن الملّوح وجميل بثينة وكثيِّر عزة وغيرهم .

ويمكن ان يطرح سؤال مثل هل يمكن ان يعيش العقل بلا عاطفة او تكون عاطفة بلا قلب .. انه سؤال منطقي ومقبول من الناحية الشكلية اما من الناحية الفعلية فانه غير مقبول فلا يمكن ان يكون عقل منفصلا عن العاطفة اذ يكون هناك جمود وجفاف حينها يكون الفرد غير مقبول اجتماعيا ولا يمكن التعامل معه حتى على نطاق الاسرة مثل محبة الام والاهل ومحبة الاولاد , هذا اذا تخلينا عن الاحاسيس الانسانية او في المقابل لا يمكن ان تتسيد العاطفة ويسير الانسان على هواه فيكون مثل الشعراء الذين قتلهم الحب .. فاذا خلا الانسان من العقل وتجرد من العاطفة فهو حينها ليس سوى مجنون ..

ان الاغلب العام من البشر هم الاسوياء على تعدد درجاتهم ومقاساتهم ورجاحتهم بين العقل والعاطفة , والانسان السوي والسقيم هو الذي يحمل صفتي العقل والعاطفة بغض النظر عن تفاوت النسب فليس كل الناس على درجة واحدة من هذين العنصرين .

خلاصة القول انه لا يمكن ان يستغني العقل عن العاطفة ولا يمكن ان تتجاوز العاطفة سيطرة العقل ..

اننا حينما نقرأ او ننظر الى الوراء مستفيدين من اصحاب العقول في تجاربهم نجد ان الانسانية تنفرد بايقاعاتها عن الحيوانية .. بحيث يستطيع العاقل التعامل بعقلانية مع العاطفة والعاطفي يحسن التدبير مع العقل .

قد يعجبك ايضا