الإبادة الثقافية للإيزيديين: دراسة في الهوية والبقاء

حسو هورمي

في محاولة لطمس هوية الأقليات الدينية والعرقية، مثل الإيزيدية والمسيحية والشبك الشيعة والتركمان الشيعة والكاكائيين، قام تنظيم داعش بتدمير كل ما يمت بصلة لتاريخها الحضاري والإنساني في سنجار وسهل نينوى. هذه الجرائم، التي تستهدف الإيزيديين كأقلية دينية عريقة بشكل خاص، لم تكن مجرد هجمات على المباني والأماكن المقدسة، بل كانت محاولة ممنهجة لمحو الشواهد التاريخية والثقافية التي تربط هذه المجتمعات بأرضها وهويتها.
في حالة الإيزيديين، تعرضت هويتهم الثقافية والدينية لهجوم ممنهج. استهدفت الإبادة الثقافية تعطيل الطقوس الدينية القديمة والمزارات الدينية المقدسة والتراث المادي واللامادي ، التي تُعتبر جزءًا لا يتجزأ من هويتهم، كما تم استهداف الكتب والمخطوطات التي تحفظ تاريخهم وتراثهم. هذه الممارسات لم تهدف فقط إلى قمع الإيزيديين، بل إلى محو وجودهم الثقافي بشكل كامل.

في وثيقة صدرت عام 2015، أكد داعش عزمه على تدمير التماثيل والمزارات والمراقد الدينية، مدعيًا أنها “محرمة ومخالفة للشريعة”. هذه الهجمات لم تكن فقط اعتداءً على التراث المادي، بل كانت أيضًا هجومًا على الروح الإنسانية، حيث قتلت في نفوس الناجين روح البقاء والارتباط بالأرض والسما، تدمير هذه المواقع التاريخية والدينية لم يؤثر فقط على المعالم التراثية، بل أضر أيضًا بالنسيج الاجتماعي للمنطقة. فقد غذت هذه الهجمات التعصب الديني وزادت من العداء بين الإيزيديين والقبائل المجاورة، مما أدى إلى تصدعات اجتماعية عميقة وفقدان الثقة بين المكونات المختلفة. هذه الانقسامات ستستمر في التأثير على المنطقة لسنوات قادمة، مما يجعل عملية التعافي وإعادة بناء العلاقات الاجتماعية مهمة شاقة.

بالإضافة إلى ذلك، استغل داعش الآثار والمقتنيات الثقافية كسلعة في السوق السوداء، بينما دمر ما لم يتمكن من بيعه. هذه السياسة التدميرية تجسدت في القضاء على التراث الديني وتدمير المزارات والمقدسات في كل المناطق التي سيطر عليها التنظيم في سوريا والعراق.
تُعد هذه الجرائم وصمة عار في تاريخ الإنسانية، ولن تكفي الإدانات الدولية لإنصاف الضحايا. إنها تذكير صارخ بضرورة حماية التراث الثقافي وتعزيز التسامح والتعايش بين المكونات المختلفة، لضمان ألا تتكرر مثل هذه المآسي في المستقبل.

الهوية الإيزيدية: تاريخ عريق تحت تهديد الطمس الممنهج
تمثل الهوية الإيزيدية واحدة من أبرز المعالم الثقافية التي شكلت جزءًا أصيلًا من النسيج التاريخي والاجتماعي لمنطقة ميزوبوتاميا وخاصة اقليم كوردستان العراق، حيث يعود تاريخها إلى آلاف السنين. على مدار الزمن، تعرضت الهوية الإيزيدية للعديد من التحولات والتأثيرات نتيجة الاحتكاك مع ثقافات وحضارات أخرى، لكنها نجحت دائمًا في الحفاظ على خصوصيتها وتفردها. ومع ذلك، لم تسلم هذه الهوية الغنية من محاولات مستمرة للإبادة والطمس، وكان أحدثها وأشدها فتكًا تلك التي ارتكبها تنظيم “الدولة الإسلامية” المعروف بـ”داعش”، والتي تعد واحدة من أكثر الجرائم الثقافية بشاعة في التاريخ الحديث.

جذور الإيزيدية: إرث غني بالتقاليد والهوية الفريدة
لأجيال متعاقبة، عاش الإيزيديون في المناطق الجبلية من شمال العراق وشمال شرق سوريا ومعبدهم الرئيسي باسم معبد لالش يقع في كوردستان العراق، حيث أسهمت هذه العزلة الجغرافية إلى حدٍ كبير في صون تقاليدهم الدينية والمجتمعية. اللغة الإيزيدية هي الكوردية المتمثلة باللهجة الكورمانجية ، التي تمثل جزءًا لا يتجزأ من هويتهم، تعبر عن تاريخ طويل ممتزج بتنوع ثقافي فريد. تتمحور حياتهم حول طقوس دينية مميزة وعادات متوارثة، مما يعكس قيمة هذا الإرث كمصدر للإلهام والاستمرارية. ولكن على مر التاريخ، وُضع هذا الإرث تحت تهديد دائم، حيث تعرض الإيزيديون لعدة حملات إبادة جماعية، أبرزها حملة داعش الأخيرة، التي ركزت ليس فقط على الإبادة الجسدية بل طالت كذلك أسسهم الثقافية وروحهم المجتمعية.

محاولة داعش لمحو هوية الإيزيديين: فجوة أعمق من الخراب المادي
اعتمد تنظيم داعش في حملته المدمرة ضد الإيزيديين على عملية ممنهجة ومتعمدة لمحو الثقافة والهوية الدينية لهذا المجتمع العريق. جزّأت هذه الاستراتيجية هويتهم إلى عناصر بغرض القضاء عليها واحدة تلو الأخرى، بداية من استهداف المعابد والمزارات المقدسة التي كانت تمثل محور الحياة الروحية والدينية للإيزيديين، إلى محاولتهم القضاء على لغتهم، وهي شريان حيوي لهويتهم الثقافية. لم تقف الجرائم عند حدود المادة، بل امتدت لتشمل تعطيل الطقوس الدينية الممتدة لآلاف السنين وتشويه التقاليد الاجتماعية التي تمثل أساس الانتماء الجماعي للإيزيديين. مثل هذه الأفعال تركت بصمات مؤلمة وقيودًا أثقلت كاهل إعادة بناء هويتهم.
لم تكن اعتداءات داعش مجرد هجمات عشوائية لتدمير الحضارة المادية للإيزيديين؛ بل استهدفت بوعي القضاء على ذاكرتهم الجمعية ومحو وجودهم الثقافي من جذوره. تدمير الأماكن المقدسة ونهب الرموز التراثية عمّق الجراح وعزل الأجيال الجديدة عن إرث أجدادها. ويعد هذا التدمير تهديدًا مباشرًا لفقدان أحد أقدم التقاطعات الثقافية للبشرية، وهو ما يجعل نقل هذا الإرث للأجيال القادمة تحديًا بالغ الصعوبة يُنذر بفقدان إحدى صور التنوع الثقافي في العالم.

أقذر أشكال الحروب: تدمير التراث والإنسان
لم يقتصر تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) على ارتكاب فظائع وحشية ضد البشر في العراق وسوريا، من قتل وحرق واغتصاب وخطف، بل تجاوز ذلك إلى الاعتداء على ذاكرة البشرية وتراثها الثقافي. لم تسلم التحف التاريخية ولا المعالم الأثرية من محاولات التدمير الممنهجة، حيث قاموا بنبش القبور وإزالة المزارات والمراقد الدينية والمعابد التاريخية، في سلسلة من الجرائم التي تعدّ إهانة لحرمة الموتى وللإرث الحضاري الإنساني. مدينة نمرود، التي تجسّد عظمة الحضارة الآشورية الممتدة لآلاف السنين، كانت إحدى ضحايا معاول داعش التي محَت جزءًا من التاريخ.
لم تعد شنكال (سنجار) كما كانت قبل الثالث من أغسطس 2014، إذ بات الخراب يحيط بكل شيء. لقد امتدت يد الجرائم المروعة لتطال الإنسان الإيزيدي في جوهر شخصيته وتاريخه وهويته؛ حيث تم استهداف تراثه العريق من خلال تدمير المراقد والمزارات والمعابد الدينية. بل وصل الأمر إلى حد إزالة المقابر، في واحدة من أبشع صور الحروب التي سجلها التاريخ. ومع الأسى العميق، فإن العالم المتحضر يقف موقف المتفرج أمام نارٍ تلتهم كل الطرق التي تؤدي إلى الله. كيف يمكن تسمية ما حدث بغير جريمة شنيعة؟ فقد جرى تدمير أكثر من 69 معبدًا ومزارًا ومرقدًا وموقعًا دينيًا مقدسًا للإيزيديين في شنكال وبعشيقة وبحزاني وبابيرة.

في إطار حملة أطلقها التنظيم تحت ذريعة “إزالة المظاهر الشركية”، استهدفت العمليات الأضرحة والقبور والمعالم التاريخية بزعم مخالفتها للشرع. كما جلب التنظيم آليات ثقيلة لتجريف المقابر في القرى الإيزيدية التي احتلها، خاصة في سنجار وبعشيقة وبحزاني، بعد تفجير المزارات الموجودة فيها. ويكشف هذا الفعل عن انتهاك صارخ لحرمة الموتى وللقيم الإنسانية والأعراف المجتمعية، مستهدفًا الهوية والذاكرة الإيزيدية بهدف محو أي أثر يربط هؤلاء الناس بأرضهم.

من ناحية أخرى، يُظهر هذا السلوك الطبيعة الظلامية للتنظيم الإرهابي الذي يفتقر إلى أي قيمة إنسانية أو حضارية. فمن الواضح أن الهدف كان مزدوجًا: استغلال كل ما يمكن بيعه من آثار ومقتنيات في السوق السوداء لتوفير التمويل، وتدمير غير القابل للبيع لإلغاء كل ملامح التراث الديني والثقافي للمناطق الخاضعة لسيطرتهم في سوريا والعراق.

جرائم داعش لم تقتصر على الاعتداء على الأحياء فقط، بل امتدت إلى محاولة طمس الهوية والتاريخ والثقافة لشعب بأكمله. الإيزيديون كانوا أحد أكثر المتضررين، حيث استهدفت هويتهم وتراثهم الديني من خلال تدمير المزارات والمعابد والمقابر الخاصة بهم. هذه الأفعال تمثل أحد أسوأ أشكال الحروب الإنسانية، تلك التي تحاول اقتلاع الإنسان من جذوره الروحية والثقافية أمام أعين عالم متحضّر ظلّ متفرجًا في كثير من الأحيان.

أولاً: نبش القبور الإيزيدية
تتميز الديانة الإيزيدية بطقوسها المتعلقة بتكريم الموتى، حيث تُعد زيارة القبور خلال المناسبات والأعياد الدينية تقليدًا يعبر عن الوفاء لأرواح الأجداد والدعاء لهم بالرحمة. لكن هذا الجانب الإنساني والبسيط لم يسلم من همجية تنظيم داعش الذي قام بنبش القبور في مناطق مثل سنجار وبعشيقة وبحزاني، وجرفها دون أي احترام للقيم الإنسانية أو المبادئ الدينية التي تدعو إلى حرمة الموتى. هذه الأعمال الوحشية تركت جروحًا عميقة في نفوس الإيزيديين وكشفت عن العقلية المتطرفة لداعش التي لا تعرف إلا ثقافة التدمير.

ثانيًا: استهداف المزارات والأضرحة الدينية
المناطق الإيزيدية في سنجار وبعشيقة وبحزاني تزخر بعشرات المزارات والمراقد ذات الأهمية الروحية التي كانت تشكّل وجهة للزوار والسكان المحليين، ينخرطون فيها بطقوس جماعية تنشر قيم المحبة والسلام، مثل “الطواف” وتقديم النذور. لكن مع سيطرة داعش على هذه المناطق، كان التدمير المنظم للمزارات والمعابد جزءًا من استراتيجيتهم الرامية إلى محو الهوية الثقافية والدينية للإيزيديين. هذا الهجوم لم يكن مجرد تدمير أحجار ومبانٍ، بل محاولة لاقتلاع شعب من جذوره الروحية، تاركًا آثارًا نفسية وثقافية يصعب محوها.

ترميم وإعادة بناء ما دمره داعش: تجربة إيزيدية فريدة
تمكن الإيزيديون من إعادة ترميم المزارات والأضرحة والمقامات الدينية في بعشيقة وبحزاني بعد تحريرها من سيطرة داعش، التي اجتاحت المنطقة في 7 أغسطس/آب 2014 وبقيت فيها حتى 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2016.
المهندس خيري كدي، الذي قاد جهود الترميم، أوضح أن التفكير بإعادة الإعمار بدأ فور سماع نبأ تفجير المزارات في 2014. وقال: “أول خطوة كانت تثقيف الناس بأهمية إعادة البناء لتعزيز معنوياتهم في تلك الفترة الصعبة”. وأضاف أن الكنائس المسيحية لم تتأثر بشكل كبير، بينما لم تُصب جوامع المسلمين بأذى، باستثناء بعض الحسينيات الشيعية في القرى المجاورة التي تم ترميم بعضها.

وأشار كدي إلى أن إعادة بناء المزارات كان لها أثر إيجابي كبير على نفسية الأهالي، مما ساعدهم على العودة إلى أراضيهم وحياتهم السابقة، وساهم في استقرار المنطقة وتعزيز السلام. كما أدى ذلك إلى تقليل عدد المهاجرين بشكل ملحوظ، حيث تمسك الأهالي بأرضهم وعادوا إلى حياتهم اليومية.

من جهته، أكد الإعلامي مهند السنجاري، وهو من أهالي المنطقة، أن تدمير القباب والقاعات الدينية والقبور الإيزيدية كان له أثر نفسي سلبي كبير، لكن إعادة بنائها منذ الأيام الأولى للتحرير أعادت الأمل وساعدت في التخلص من الشعور بالإحباط. وأضاف أن العمل الطوعي لإعادة البناء شجع الشباب على المشاركة في حملات تنظيف المدينة من مخلفات الحرب، مما زاد من تماسك المجتمع.
تُعد إعادة بناء المزارات الإيزيدية تحديًا للبقاء، حيث ساهمت في استعادة الهوية وتعزيز الأمل، وأصبحت رمزًا للتحدي والصمود في وجه الإبادة الثقافية.

ضرورة الحفاظ على التراث الإيزيدي
تعرض التراث والحضارة العراقية والسورية بشكل عام، والإيزيدية بشكل خاص، لانتهاكات جسيمة على يد تنظيم داعش، حيث نتج عن جرائمهم تدميرٌ ونهبٌ وتشويهٌ كامل وجزئي للتراث الثقافي بنوعيه المادي وغير المادي. وهذا يبرز الحاجة الملحة إلى إطلاق مشروع يهدف إلى حماية الأجزاء المتبقية والمهمة من التراث الثقافي الإيزيدي. يتمثل هذا المشروع في توثيق هذه الانتهاكات، تنظيمها ورصدها، بالإضافة إلى تقديم توصيات تشمل أدوات الإسعافات الأولية الخاصة بالحفاظ على التراث، وإنشاء قاعدة بيانات تجمع أهم ما يمكن إنقاذه من هذا الموروث الإنساني.

أولاً: التراث الثقافي المادي
يشمل التراث المادي العديد من العناصر مثل المباني الدينية، المعابد، المواقع التاريخية، المعالم الأثرية، والمقتنيات ذات القيمة العلمية أو الثقافية، والتي تُعد رمزاً هاماً للحفاظ عليها من أجل الأجيال القادمة. يُعد هذا التوثيق وسيلة لحفظ الاعتراف الضمني بأهمية الماضي وربطه بالمستقبل، كما أن وجود هذا النوع من التراث يوفر تواصلاً فعلياً مع التاريخ ويجذب الزوار للتفاعل معه بطريقة تُشعرهم بلمس الماضي وجعله حاضراً.

ثانيًا: التراث الثقافي غير المادي
يتألف التراث غير المادي من الممارسات والتعبيرات والمعارف والمهارات المرتبطة بالمجتمعات والأفراد، علاوةً على الأدوات والتحف والأماكن الثقافية التي تعكس هوية هذه المجتمعات. وفقًا لليونسكو، لا يقتصر هذا النوع على الأشياء الملموسة، بل يشمل التقاليد والعادات الحية الموروثة التي يدوّنها المجتمع وينقلها من جيل إلى جيل. أمثلة على ذلك تشمل الفنون الشفهية، تقاليد الأداء، الطقوس، الاحتفالات الاجتماعية، ومعارف الطبيعة والحرف التقليدية. كما أن بعض التقاليد الإيزيدية، مثل إنتاج الزيوت والعطور، تُعتبر جزءاً أصيلاً من هذا التراث الثقافي.
نؤمن بأن الحفاظ على التراث الثقافي يساهم بشكل جوهري في تكوين الهوية الإنسانية وتعزيزها على الصعيدين العاطفي والمعنوي. لذا، يُعد الحفاظ على تراث الإيزيدية خطوة أساسية لمنع اندثار ثقافتهم. ويساهم توثيق الانتهاكات التي تعرض لها هذا التراث في تعزيز شعور المجتمع الإيزيدي بالهوية والانتماء، ما يقدّم دعماً للأسس التي يرتكز عليها بقاء هذا التراث والمحافظة عليه.
ولهذا الغرض، قمنا في منتصف عام 2015 بتطوير مشروع بحثي مشترك مع الدكتورة كازيوا صالح من جامعة تورونتو في كندا، ركّز المشروع على وضع آليات تنفيذية لإعادة إحياء وحماية التراث الإيزيدي المهدّد؛ ومع ذلك، لم ننجح حتى الآن في الحصول على تمويل مناسب لتطبيقه.
توثيق وتدوين انتهاكات داعش ضد المزارات والمراقد الإيزيدية بطريقة احترافية يُعد ضرورة قصوى. يشمل هذا التوثيق جمع الصور والمعلومات وتحليلها ووضع التوصيات المفصّلة. الهدف هو إنشاء قاعدة بيانات تفصيلية تصبح مرجعاً متكاملاً يُمهّد الطريق للباحثين والمعنيين لبناء صورة أشمل حول الوضع وترسيخ إطارٍ واضح يساهم في استراتيجيات الحفاظ على هذا التراث الحيوي.

رسالة للمجتمع الإنساني: الإنقاذ مسؤولية مشتركة
الخطر الذي يهدد الهوية الإيزيدية بالاندثار ليس قضية محلية فحسب، بل هو جرس إنذار للعالم أجمع. إن الحفاظ على هذا الإرث الثقافي الغني وحمايته من الانقراض يمثل واجبًا أخلاقيًا وإنسانيًا يقع على عاتق الجميع. الهوية الإيزيدية ليست مجرد تراث جماعي؛ إنها مرآة تعكس عمق الإنسانية وتنوّعها، وخطر اندثارها يستدعي استجابة عالمية بحجم التحديات.
هناك حاجة ملحّة لتضافر جهود المجتمع الدولي لدعم جهود التعافي وإعادة بناء الهوية الإيزيدية بكل مكوناتها. هذه الجهود ليست مجرد دعم لمجتمع يعاني، بل هي التزام اخلاقي عالمي لحماية التنوع الثقافي، الذي يُعد جزءًا لا يتجزأ من تاريخ الإنسانية ومستقبلها.
السعي المشترك لحماية التراث الحضاري الإنساني أينما كان، ومواجهة الهجمات التي تستهدفه، يجب أن يكون أولوية. يمكن تعزيز الثقافة كأداة للسلام وحافز للحوار، واستثمار هذا التراث المتنوع في تعزيز السلم الأهلي والتعايش المجتمعي. إن حماية الهوية الإيزيدية والتراث الثقافي العالمي ليس فقط واجبًا، بل هو استثمار في مستقبل أكثر تنوعًا وتسامحًا للبشرية جمعاء.

أهم التوصيات فيما يخص الإبادة الثقافية
تُعد الإبادة الثقافية جريمة خطيرة تستهدف الهوية الإنسانية والتنوع الثقافي، مما يستدعي استجابة شاملة على المستويين الدولي والمحلي لحماية التراث الثقافي ومنع تكرار هذه الانتهاكات. فهي لا تقتصر على تدمير الممتلكات والتراث، بل تمتد إلى محو الإرث الحضاري المشترك، مما يجعل مواجهتها مسؤولية عالمية مشتركة.
يتطلب الحفاظ على هذا التنوع تكاتف الجهود بين الحكومات، والمجتمعات المحلية، والمنظمات الدولية، وأفراد المجتمع لضمان استمراره وحمايته للأجيال القادمة. فيما يلي أبرز التوصيات التي تُسهم في تحقيق ذلك:
1. التوثيق والحفظ
إنشاء أرشيف شامل لتوثيق جرائم الإبادة الثقافية، بما يشمل تدمير المواقع المقدسة والتراث الثقافي، مستفيدين من تقنيات حديثة مثل التصوير ثلاثي الأبعاد والذكاء الاصطناعي.
حفظ الوثائق، الكتب، والمخطوطات التاريخية في أماكن آمنة أو رقمنتها لتفادي فقدانها.
2. إعادة الإعمار والتعويض
ترميم وإعادة بناء المواقع المدمرة بالتعاون مع منظمات دولية مثل اليونسكو.
تقديم تعويضات مادية ومعنوية للمجتمعات المتضررة، بالإضافة إلى الدعم النفسي والاجتماعي للناجين.
3. التوعية والتعليم
إدراج تاريخ وثقافة المجتمعات المهددة ضمن المناهج الدراسية لتعزيز فهم أهميتها وحمايتها.
تنفيذ حملات إعلامية لرفع الوعي حول خطورة جرائم الإبادة الثقافية وآثارها على التنوع البشري.
4. الحماية القانونية
سن قوانين محلية ودولية تجرّم الإبادة الثقافية وتفرض عقوبات صارمة بحق مرتكبيها.
تقديم الجناة إلى العدالة من خلال المحاكم الدولية لمعاقبتهم على جرائمهم المرتكبة بحق التراث الثقافي.
5. دعم المجتمعات المتضررة
مساعدة المجتمعات المتضررة على إحياء تقاليدها وطقوسها الثقافية والدينية من خلال توفير الموارد اللازمة.
دعم جهود الحفاظ على اللغات المحلية المهددة بالاندثار.
6. التعاون الدولي
تشكيل تحالفات دولية بين الدول والمنظمات لمواجهة التهديدات التي تستهدف التراث الثقافي في مناطق الصراع.
تقديم التمويل والموارد لمنظمات مثل اليونسكو لتنفيذ برامج حماية واستعادة التراث.
7. منع التطرف
التصدي للأفكار المتطرفة التي تدعو لتدمير الثقافات من خلال التعليم، الحوار، ونشر الوعي الفكري المعتدل.
تشجيع ثقافة التسامح والتعايش بين الديانات والثقافات المختلفة.
8. إنشاء صندوق دولي لحماية التراث
تأسيس صندوق دولي مخصص لحماية التراث الثقافي في مناطق النزاعات، بتمويل مشترك من الدول والمنظمات الدولية.
9. تطوير إطار قانوني فعّال
العمل على تعزيز الإطار القانوني الدولي لمحاسبة مرتكبي الإبادة الثقافية جنائيًا.
إنشاء آليات وقائية تساهم في حماية التراث الثقافي في مناطق النزاع بشكل فعّال ومستدام.
10. حماية اللغة كأساس لمواجهة الإبادة الثقافية
تشكل اللغة جزءًا جوهريًا من الهوية الثقافية، لذا فإن الحفاظ عليها يمثل خطوة محورية في التصدي للإبادة الثقافية. يتطلب ذلك مقاربة شاملة تتضمن تعزيز اللغات المهددة من خلال التعليم، والإعلام، والإنتاج الثقافي، والحياة اليومية.
تبني سياسات داعمة مثل تضمين اللغات الأصلية ضمن المناهج الدراسية.
إطلاق برامج إعلامية موجهة بلغات الأقليات.
تشجيع الإبداع الأدبي والفني بتلك اللغات.
يجب توفير أدوات وموارد لغوية كالقواميس والمناهج الرقمية لضمان بقاء هذه اللغات حية وانتقالها للأجيال القادمة.

انتباه: الإبادة الثقافية جريمة صامتة ، لا يشعر التأريخ بوجودها الا بعد توثيقها.

قد يعجبك ايضا