د . صباح ايليا القس
لا بدّ لمن درس عن الحيوان في الشعر لا سيما الجاهلي منه يعرف قصصا عن محاورة الذئب . لكن من درسوا الحيوان في الشعر يعرفون ذلك ويمكن الرجوع الى كتاب الحيوان للجاحظ لمتابعة هذا المقال .
نجد في شعر الصعاليك ما يدلل على محاورة الذئب ذلك لان الصعاليك كان اغلب عيشتهم في البراري لانهم منبوذون من قبائلهم فهم مشردون ولا تقبلهم القبائل الاخرى فكانوا يهيمون في الصحارى معتمدين على سيوفهم في استحصال معيشتهم فهم يغيرون على القوافل ويسلبون الناس بقوة السيف ويهربون الى حيث القفار بحيث لا يمكن الوصول اليهم . والقفار والبراري هي ساحة الذئاب وحين لم يجد الصعلوك الشاعر من يكلمه يجد سلواه في محاورة الذئب على ان هذه المحاورة ليست مقصورة على الصعاليك اذ اننا نجد ان الشاعر امرئ القيس وفي احدى مغامراته وسفراته التقى الذئب عند نبع ماء فالشاعر العاشق وجد من يناجيه ويعرض عليه ما يعانيه من بلوى الغرام والحب الذي اضطره للسفر في هذه البيداء واما الذئب فكان وحيدا على عكس ما يعرف عن الذئاب من تماسك عائلي ويبدو ان الذئب كان مخلوعا ومغضوبا عليه ومطرودا من المجموعة . وعند اللقاء اخذ كل واحد منهم ( الشاعر والذئب ) يبث بلواه الى الآخر حتى انهما تصاحبا وعرض كل واحد منهم على الآخر شيئا من زاده ولكن مع حذر وتوجس على الرغم من أن الماء كان عفنا والاحراش قاربت الجفاف يقول امرئ القيس :
وماءٍ كلون البول قد عاد آجنــا قليل به الاصوات في كلأٍ مَحْلِ
لقيت عليه الذئب يعوي كأنـــه خليع خلا من كل مال ومن أهل
فقلت له يا ذئب هل لك في اخ يواسي بلا أثرى عليك ولا بخل
وفي حوار آخر ولكن فارسته شاعرة بصرية اذ أهلك قومها وان اهلها جميعا اهلكهم الموت وهي في هذه الحيرة والمأساة يخرج عليها الذئب الجائع وفي عينيه شرر الموت لكنها ادركت الموت باحساس يائس لذلك لا تخافه اذ هي ميتة في جميع الاحال لا سيما بعد ان فقدت الاهل فتقبلت الموت لكي تلاقي الاهل في القبور فأخذت تحاوره وتقول :
ألا أيها الذئب المنادي بسحـــــــرة هل أُخبْركَ الامر الذي بدا ليا
بدا ليا اني قد يئست واننـــــــــــــي بقية قوم اورثوني المباكيـــــا
ولا ضير اني سوف أتبع من مضى ويتبعني من بعد من كان تاليا
الفرزدق الشاعر الاموي المعروف له قصة مع الذئب نقلتها لنا كتب التراث بشيء من التشويق القصصي الذي كان ينفع في قضاء ليالي السمر والسهر .
يقال ان الفرزدق خرج واصحابه من الكوفة قاصدين يزيد من المهلب وعند آخر الليل ذبح شاة وسلخها وهم اذ ادركهم الوقت حملوا الشاة المسلوخة على البعير , وكان على مقربة ذئب وحينما رأى النار ادرك ان هناك وليمة ولا بدّ ان يكون له فيها نصيب واذ كان على عجل قرر الذئب ان يهجم على النار على أمل الحصول على الشواء واذ رأى البعيرُ ذلك الذئب ارتعب وسقطت الشاة فأخذ الفرزدق يقطع لحم الشاة ويطعم الذئب طالبا منه ان يأكل ولا يخون لكي يكون أخا سفر وصاحب رحلة يقول الشاعر الفرزدق :
وأطلس عسّال وما كان صاحبــا دعوتُ لناري موهِنا فأتانـــي
فلما أتى قلت أُدْن دونك إننــــــي واياكَ في زادي لمشتركــــانِ
فبتُّ أُسوي الزاد بيني وبينـــــه على ضوء نار مرة ودخــــان
فقلت له لما تكشر ضاحكـــــــا وقائم سيفي في يدي بمكــــان
تعشَّ فإن واثقتني لا تخوننـــــي نكنْ مثل من يا ذئبُ يصطحبان
وأنتَ امرؤ يا ذئبُ والغدرُ كنتما أُخيين كانا أُرضعا بلبـــــــــانِ
ولو غيرنا نبهت تلتمس القِـــرى أتاك بسهم او شباة سنـــــــــان
هي محاورة بين الشاعر والذئب من طرف واحد فالشاعر ربما يدعي الكرم بحيث جعل من الذئب ضيفا فاطعمه والذئب استحسن الصنيع فلم يخن على الرغم من الحذر بين الطرفين .