متابعة ـ التآخي
تشتد أزمة الكهرباء في العراق قبل حلول فصل الصيف الذي يشهد ذروة الطلب؛ إذ اجتمعت عدة عوامل سلبية بشكل متزامن، أدّت إلى تفاقم الأوضاع.
فما بين توقف ضخ الغاز الإيراني منذ 24 تشرين الثاني 2024، جاء إلغاء الإعفاء الأميركي للعراق الذي كان يسمح سابقًا باستيراد مصادر الطاقة (الكهرباء والغاز من إيران)، وما سيتبعه من توقف استيراد الكهرباء أيضًا عبر خط الربط المشترك.
ومن شأن توقف ضخ الغاز واستيراد الكهرباء أن تفقد المنظومة العراقية نحو 11 ألف ميغاواط يوميًا، ليصبح الإنتاج أقل قليلًا من 17 ألف ميغاواط، مقابل الطلب الذي يصل في الصيف إلى 45 ألف ميغاواط، بحسب بيانات حكومية رسمية عراقية، فضلا عن تصريحات باحثين إلى منصة الطاقة (مقرّها واشنطن).
وما بين هذا وذاك، تُصبح الأمور أكثر تعقيدًا قبل حلول فصل الصيف، مع محاولات مستميتة من جانب حكومة رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني لتدارك الموقف عبر حلول قليلة للغاية في المدى المتوسط.
وتسعى الحكومة إلى عدد من الحلول لأزمة الكهرباء في العراق؛ على رأسها استيراد الغاز المسال، عن طريق ميناء الزبير في محافظة البصرة، بعد أن كان مقررًا سابقًا الاستيراد عبر ميناء الفاو الكبير.
لكن هذا الحل بحاجة إلى مدة زمنية تتراوح بين 3 و5 أشهر في أفضل الأحوال، مع توقعات بأن يستغرق 8 أشهر كاملة؛ نظرًا إلى تعقيدات مالية ولوجستية، بحسب مصدر حكومي، وهو مُطّلع على هذا الملف.
ووفق مصدر آخر يعمل بوزارة الكهرباء؛ فإن هناك مفاوضات تدور في هذه الآونة مع الجزائر وقطر، لاستيراد الغاز المسال، وفق عقود قد تكون متوسطة الأجل (3-5 سنوات).
ويقول مصدر مُطلع على هذا الملف إن “العراق يعوّل على زيادة الإنتاج الوطني من الغاز، والاستفادة من وقف حرق الغاز في غضون 3 أعوام، وحينها سيمكن الاعتماد على الغاز الوطني في منظومة الكهرباء”.
وسيبدأ استيراد الغاز المسال بمجرد انتهاء العراق من تجهيز البنية التحتية في ميناء خور الزبير، التي تشمل التعاقد على منصة عائمة للتفريغ والتخزين، وربطها بأنبوب بطول 40 كيلومترًا، ينقل الغاز عن طريق ربطه بالأنبوب الوطني القريب من شط البصرة.
ويتحرّك العراق نحو مضاعفة قدرات استيراد الكهرباء من تركيا، لتأمين الإمدادات المطلوبة للمحافظات الشمالية.
وتبلغ قدرات خط الربط الحالي بين البلدين نحو 300 ميغاواط، يهدف العراق لمضاعفتها إلى 600 ميغاواط في الصيف المقبل.
وبحسب مفاوضات أجراها وزير الكهرباء العراقي زياد علي فاضل، يوم الأحد 16 آذار 2025، مع وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار؛ فإنه من المقرر تجهيز البنية التحتية المطلوبة في الأشهر القليلة المقبلة، حتى يكون الربط جاهزًا للقدرات الجديدة في صيف 2025.
تؤكد ذلك أيضًا، مصادر مطلعة اوضحت، أن القدرات الجديدة للربط الكهربائي بين البلدين ستدخل حيز التنفيذ في الصيف المقبل، على أن تستورد أنقرة نحو 300 ميغاواط من العراق في بقية الفصول.
الخلاصة، إن تحرك بغداد ومفاوضاته مع 3 دول، وهي قطر والجزائر وتركيا، سيكون من شأنها حل جزء من أزمة الكهرباء في العراق في الصيف المقبل، لكن يبقى هذا مرهونًا بسرعة الانتهاء من التجهيزات المالية واللوجستية أيضًا.
وبرغم ذلك؛ فإن العراق يبقى مطالبًا بالتحرك نحو تعزيز الإنتاج الوطني من الغاز، وسرعة التوقف عن حرق الغاز المصاحب، إلى جانب دعم مشروعات الطاقة الشمسية المقترحة، وفي مقدمتها مشروع شركة توتال إنرجي الفرنسية، بقدرة 1000 ميغاواط في محافظة البصرة.
أيضًا من شأن مشروعات الطاقة المتجددة، أن تمد منظومة الكهرباء العراقية بنحو 3 آلاف ميغاواط في غضون 3 سنوات من الآن، في حالة التحرك السريع لبدء التنفيذ.
لكن مع الوتيرة الحالية لغالبية المشروعات في قطاع الطاقة العراقي؛ فإن المشروعات المرتقبة بالطاقة المتجددة لن تدخل حيز التشغيل الكامل قبل 5 سنوات، أي منتصف عام 2030.