الديمقراطية وصلتها بتحقيق العدالة الاجتماعية والقضاء على الفقر

 

 

متابعة ـ التآخي

تُعد الديمقراطية من أبرز النظم السياسية التي تسهم في تحقيق العدالة الاجتماعية وتقليل معدلات الفقر بوساطة آلياتها التي تعزز المشاركة السياسية، وتكافؤ الفرص، والمساءلة، وحماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للسكان.

والديمقراطية هي نظام حكم يعتمد على مشاركة الناس في صنع القرار، واحترام الحقوق والحريات، وضمان التعددية السياسية.

والعدالة الاجتماعية من اول شروط بناء الديمقراطية وتعزيزها، وتعني توفير فرص متساوية للجميع، وتوزيع عادل للثروات، وضمان حقوق الإنسان الأساسية مثل الصحة، والتعليم، والعمل، وشتى الخدمات.

و تتيح الديمقراطية مشاركة الفئات المهمشة في صنع القرار، ما يؤدي إلى سياسات اقتصادية واجتماعية تعزز العدالة، و توفر بيئة قانونية تحمي حقوق الأفراد، مثل الحق في التعليم والصحة والسكن؛ وتتيح الديمقراطية تعزيز الشفافية والمساءلة مما يؤمن الرقابة على الحكومات، ويقلل من الفساد وسوء توزيع الثروات.

 

الديمقراطية = العدالة الاجتماعية

الحكومات الديمقراطية الحقيقية، غالبًا ما تضع سياسات تنموية تقلل الفجوة بين الأغنياء والفقراء، عن طريق تشجيع الاستثمارات، وتوفير بيئة عمل مناسبة، ودعم المشاريع الصغيرة، وتسعى الى ترسيخ الخدمات العامة، مثل التعليم المجاني والرعاية الصحية والضمان الاجتماعي وتسهيل عملية الحصول على السكن الرخيص، ما يسهم في رفع مستوى المعيشة.

وتعمل الديمقراطية على فرض ضرائب تصاعدية على الاغنياء، وفي مقابل ذلك تقديم دعم للفئات الفقيرة، وتخفيف الضرائب عنهم.

ومن التحديات التي تواجه الديمقراطية في تحقيق العدالة والقضاء على الفقر، الفساد الإداري والمالي الذي يعوق التنمية العادلة ويؤدي إلى تركّز الثروات بيد فئة قليلة، وكذلك ضعف المؤسسات، اذ يؤدي إلى عدم تطبيق القوانين بشكل عادل؛ وكذلك فان الصراعات السياسية، قد تعرقل جهود التنمية والعدالة الاجتماعية.

وباختصار، ان الديمقراطية، عندما تُطبق بشكل صحيح، تسهم في تحقيق العدالة الاجتماعية والقضاء على الفقر عبر تعزيز الحقوق، وتوفير الفرص المتكافئة، ومساءلة الحكومات. ومع ذلك، فإن نجاحها يعتمد على تواجد مؤسسات قوية، وسيادة القانون، والالتزام بمبادئ الشفافية والمشاركة الفعالة للمواطنين؛ ومن شروط البناء الديمقراطي الحقيقي القبول بالتداول السلمي للسلطة و   احترام مبدأ الأغلبية السياسية الذي تسفر عنه الانتخابات.

وتُعد الديمقراطية من أبرز النظم السياسية التي تسهم في تحقيق العدالة الاجتماعية وتقليل معدلات الفقر من خلال آلياتها التي تعزز المشاركة السياسية، وتكافؤ الفرص، والمساءلة، وحماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين.

 

كيف تشكل الحكومة التي تلبي مطالب الناس؟

ان تشكيل حكومة قادرة على تحقيق العدالة الاجتماعية يتطلب نظامًا ديمقراطيًا شفافًا وفعالًا يضمن تمثيل إرادة الشعب ويضع سياسات عادلة تلبي احتياجات جميع فئات المجتمع، واول الخطوات والعوامل التي تسهم في تشكيل مثل هذه الحكومة، تواجد نظام انتخابي ديمقراطي وعادل بانتخابات حرة ونزيهة، اذ يتوجب أن تكون الانتخابات شفافة وتضمن تمثيل جميع الفئات من دون تمييز.

ويجب ان تشهد الانتخابات مشاركة شعبية واسعة فكلما زادت نسبة مشاركة السكان في الانتخابات، زادت شرعية الحكومة وقدرتها على تمثيل الجميع، ويجب ان يكون هناك تمثيل عادل للأحزاب والفئات الاجتماعية، اذ يفترض أن يعكس البرلمان تنوع المجتمع، ليكون صوت الفقراء والمهمشين مسموعًا.

وكذلك يتوجب الامر تشكيل حكومة قائمة على الكفاءة والنزاهة باختيار مسؤولين أكفاء، أي ان تعيين الوزراء والمسؤولين يجب ان يجري بناءً على الكفاءة وليس الولاءات السياسية أو المصالح الشخصية، وعلى الجهات التشريعية والقضائية والتنفيذية محاربة الفساد بوضع آليات رقابة صارمة تضمن عدم استغلال المناصب العامة.

وهنا يتوجب تحقيق استقلالية القضاء، لضمان تنفيذ القوانين بعدالة ومحاسبة المسؤولين الفاسدين؛ ومن الضروري لتعزيز الديمقراطية واستمراها،  وضع سياسات اقتصادية واجتماعية عادلة وتشريع القوانين التي تضمن إعادة توزيع الثروة، عبر فرض ضرائب تصاعدية على الأغنياء ودعم الفئات الفقيرة.

ويجب أيضا تحقيق المساواة في الفرص عن طريق سياسات تعليمية وصحية وعمالية عادلة، و تشجيع الاستثمار المسؤول، الذي يخلق وظائف ولا يضر بالبيئة أو حقوق العمال، وضمان وصول الفقراء ومحدودي الدخل الى الخدمات الصحية والسكنية بيسر.

وعلى الديمقراطية ان تضمن حرية الإعلام، لكفل نقل المعلومات الحقيقية عن أداء الحكومة، وإشراك منظمات المجتمع المدني في مراقبة الأداء الحكومي وصنع القرار، في ظل تواجد آليات محاسبة فعالة، مثل إنشاء هيئات مستقلة لمكافحة الفساد، وإتاحة الفرصة للمواطنين لتقديم شكاواهم.

 

 

كما تترسخ الديمقراطية بالاستجابة الفعلية لمطالب الشعب و الحوار المستمر مع الناس بعقد لقاءات منتظمة مع شتى الفئات والاستماع إلى مطالبها، و إجراء استفتاءات واستطلاعات رأي، للتأكد من أن السياسات الحكومية تلبي احتياجات الشعب، و سرعة تنفيذ الإصلاحات، وعدم الاكتفاء بالوعود بل تنفيذ إصلاحات ملموسة لتحسين حياة السكان.

والخلاصة، ان الحكومة العادلة تتشكل بوساطة نظام ديمقراطي شفاف، يعتمد على انتخابات نزيهة، ومسؤولين أكفاء، وسياسات تضمن التوزيع العادل للثروات، والمساءلة الصارمة، والمشاركة الفاعلة للمواطنين؛ و تحقيق العدالة الاجتماعية ليس مجرد شعار، بل يتطلب إرادة سياسية حقيقية وإصلاحات مستدامة.

 

سمات النظام الانتخابي العادل

النظام الانتخابي العادل هو الذي يضمن تمثيلًا حقيقيًا لإرادة الشعب، ويوفر فرصًا متساوية لجميع المرشحين والأحزاب، ويمنع أي شكل من أشكال التلاعب أو التمييز.

وأبرز السمات التي يجب أن تتوفر في أي نظام انتخابي عادل،   النزاهة والشفافية والإشراف المستقل على العملية الانتخابي، الذي  يجب أن يجري بتوفر هيئة مستقلة تشرف على الانتخابات، بعيدًا عن سيطرة الحكومة أو الأحزاب.

ويجب ان يشمل ذلك مراقبة محلية ودولية بالسماح بتواجد مراقبين محليين ودوليين لضمان عدم حدوث تزوير أو تلاعب، كما ان من شروط تحقق الديمقراطية الإفصاح عن تمويل الحملات، لضمان عدم تأثير المال السياسي على نتائج الانتخابات.

ومن المطلوب تكافؤ الفرص بين المرشحين لضمان حرية الترشح، اذ يجب أن يكون لجميع السكان الحق في الترشح من دون إقصاء تعسفي، ومنح جميع المرشحين وقتًا متساويًا في وسائل الإعلام الحكومية والخاصة.

ويجب عدم استغلال موارد الدولة، اذ يتوجب منع الأحزاب أو المرشحين في السلطة من استغلال المال العام أو المؤسسات الحكومية لصالحهم.

وان شمولية المشاركة يعد شرطا لتحقق البناء الديمقراطي الحقيقي وفي مبدأ حق التصويت للجميع، أي ان لجميع المواطنين البالغين الحق في التصويت من دون قيود تعسفية.

ويجب تسهيل إجراءات التصويت بتوفير مراكز اقتراع كافية، وتمديد مدة التصويت إذا تطلب الأمر، وإتاحة الفرصة لذوي الإعاقة والمغتربين، عن طريق توفير تسهيلات مثل التصويت الإلكتروني أو التصويت عبر البريد.

يجب اختيار نظام انتخابي يعكس إرادة الشعب و تمثيل عادل لجميع الفئات، سواء اكان (نسبي أو مختلط) بما يضمن عدم هيمنة حزب أو فئة واحدة على حساب الآخرين، ويشترط تطبيق الديمقراطية عدم التلاعب بتقسيم الدوائر الانتخابية، اذ يجب أن يجري تقسيم الدوائر بشكل عادل وليس لصالح جهة معينة.

كما ان من الضرورة القصوى احتساب الأصوات بشكل نزيه باستعمال تقنيات موثوقة لفرز الأصوات، وضمان شفافية العملية، وبآلية حق الطعن في النتائج، اذ يتوجب أن يكون هناك نظام قانوني يسمح للمرشحين بالطعن في النتائج إذا كانت هناك أدلة على التزوير، بتوفر جهة قضائية مستقلة للنظر في الطعون، لا تخضع لأي ضغوط سياسية.

وباختصار، ان النظام الانتخابي العادل هو الأساس للديمقراطية الحقيقية، اذ يضمن تمثيلًا عادلًا لجميع المواطنين، ويمنع التلاعب بالنتائج، ويوفر بيئة تنافسية نزيهة. من دون هذه السمات، تصبح الانتخابات مجرد أداة شكلية لتعزيز سلطة معينة بدلاً من أن تكون وسيلة لتحقيق الإرادة الشعبية.

ويقول باحثون في الشأن السياسي ان الديمقراطية هي حكم الأغلبية السياسية و يجب الا يكون مطلقا  وحديا من جانب الاغلبية، فالديمقراطية نظام مؤسس على المبادئ الأخلاقية العامة ، وعند انتهاك الأغلبية حقوق الأقلية المحكومة انعدم احد المسوغات الرئيسة لإطلاق صفة الديمقراطية على هذا الحكم.

 

أساليب بناء ديمقراطية حقيقية في الشرق الاوسط

في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي تبرز الحاجة لتحرير الديمقراطية من سطوة الأيديولوجيا والطائفية، ففي المنطقة العربية تعاني بلداننا من انقسامات حادة على أساس أيديولوجي، وتحولت هذه الانقسامات إلى عقبة كأداء في وجه فرص التغيير ابتداءً، ثم لمعوقٍ أمام أي انتقال ديمقراطي تاليًا.

فالتيارات السياسية في المنطقة العربية بقدر ما رفعت لواء التغيير وكافحت من أجله، بقدر ما مثّل تمترسها خلف أيديولوجياتها الصارمة والصلبة، وعدم تحليها بالمرونة لتحقيق التوافقات وبناء الجبهات السياسية المؤهلة للتغيير، حاجزًا أمام تحقيق التغيير.

وقد لعب الاستبداد في المنطقة بورقة الانقسامات الأيديولوجية واستثمرها أي استثمار، باستدامة ضعف قوى المعارضة وضرب بعضها ببعض، وتبديد أي فرص للتغيير، بل وحتى الإصلاح.

وتظهر الحاجة لتحرير الديمقراطية ملحّة وماسّة في ظل ما عاشته التجارب العربية التي تحقق فيها تغيير النظام السياسي، على غرار تونس ومصر وحتى اليمن، ففي هذه الدول أعاق الانقسام الأيديولوجي بين القوى التغييرية مسار الانتقال الديمقراطي، فانتهى إلى فشل التجربة وإغلاق قوسها، وعودة أنظمة حكم عسكرية أو شبه عسكرية متحكمة، فيما جرى إضعاف أو إقصاء كل تلك القوى المنقسمة أيديولوجيًا من المشهد السياسي.

 

تجربة العراق ولبنان

إلى ذلك يعاني العراق ولبنان من طائفية حرمت البلدين من انتقال ديمقراطي طالب به العراقيون واللبنانيون ابان حراك شعبي كبير بين 2019 و2021 من أجل التغيير والإصلاح والحرب على الفساد، والعدالة الاجتماعية، ونجحت القوى النافذة في الحكم أن تلتف على ذلك الحراك الشعبي، وتجهض فرص التغيير والإصلاح الجدي.

وتمس الحاجة ايضا لتحرير الديمقراطية من الأنانية السياسية، فبقدر ما تؤدي شخصيات وتيارات سياسية دورًا بارزًا ورياديًا في تأسيس المشهد السياسي، تصديًا للإصلاح والتغيير، بقدر ما تتحول هذه الشخصيات وهذه التيارات في لحظة ما إلى عوائق أمام تجربة التغيير والإصلاح والانتقال الديمقراطي.

فجوهر الديمقراطية كآلية للحكم الرشيد بكل أدواتها المؤسساتية والقانونية والرقابية، يحكمها مبدأ التداول السلمي على السلطة، عبر الانتخابات الحرة والديمقراطية والنزيهة؛ لكن أثبتت عديد التجارب أن شخصيات وتيارات سياسية، تحوّلت من قوة إصلاح وتغيير، إلى قوة عرقلة وإرباك؛ بسبب الإصرار على الاستمرار وعدم السماح بالتداول على القيادة أو على السلطة، إما بزعم أنها ناجحة ولا تتغير أو بزعم المخاطر التي يمكن أن تنجرّ على التغيير.

وتساق حجج ومسوغات كثيرة، يظهر بعضها معقولًا ومنطقيًا، ولكنه يكرّس على المدى البعيد الاستمرارية على حساب التجديد والتداول. وتحرم الأنانية السياسية، أحزابًا ودولًا من ميزة التداول، ويفوّت عليها فرص التجدد والتحوّل.

وتعاني جميع التيارات والقوى من الأنانية السياسية، ولم ينجُ منها لا اليسار ولا الإسلاميون ولا القوميون ولا الليبراليون، وهي مرض سياسي مستفحل يكاد يجعل من الديمقراطية فكرة طاردة للأجيال الشابة المتطلعة للمستقبل، تغييرًا وتجديدًا، أشخاصًا وأفكارًا.

السعي لبناء اقتصاد سليم

تستدعي الحاجة بحسب باحثين، تحرير الديمقراطية من سلبيات الرأسمالية واقتصاد السوق وتأثيراتها على الفقراء، ففي وقت اكتسحت فيه العولمة القيم الكونية، وتمكنت فيه الرأسمالية من مفاصل الاقتصادات، بات المتحكمون في الاقتصاد والاغنياء هم المتحكمون في العملية الديمقراطية بكاملها، هم من يحددون قواعد اللعبة في الانتخابات وفي تشكيل الرأي العام وفي توجيه اختيارات الناخبين، عبر وسائل الإعلام والتواصل، التي أصبح معظمها أسيرا لديهم.

لذلك يُعد تحرير الديمقراطية من سطوة سلبيات اقتصاد السوق والليبرالية الاقتصادية، وإعادة بنائها ضمن فلسفة حكم تقوم على العدالة الاجتماعية والرؤية التنموية الاقتصادية الاجتماعية مهمة حيوية من أجل استعادة زخمها كآلية للحكم لا التحكم، وبالنتيجة استعادة ثقة الشعوب فيها كأفضل وأرشد أنظمة الحكم وأقومها مسالكًا.

 

هل تراجعت الديمقراطية؟

برغم الشكوك والانحسار الواضح لزخم فكرة الديمقراطية، غير أن التمسك بها ولو شكليًا مازال الموقف الراجح لدى عشرات البلدان في العالم، ففي عام 2024 جرى تنظيم أكثر من 70 عملية انتخابية في أنحاء العالم، ما يؤشر على أن الرهان على المسار الديمقراطي لم يتراجع بالمطلق، وإنما داخلته انحرافات وتشوّهات، بحاجة للمراجعة والتصحيح.

والمؤكد أن هذه الانتخابات التي يجري تنظيمها يطغى على كثير منها صبغة شكلية استعراضية، لا تعبرّ عن إرادة حرة بالكامل، ولا تتسم بالشفافية التي تضفي على المنتصرين فيها الشرعية الكاملة، وإنما هي عملية مشوّهة لتكريس سلطة الأمر الواقع، أو إضفاء شرعية على سلطة تغلّبت او جرى تمريرها بالتلاعب.

قوى الإصلاح والتغيير المدافعة عن الديمقراطية بها حاجة الى أن تكافح من أجل عملية انتخابية أكثر تعددية ونزاهة، كشرط في مسار ديمقراطي حقيقي يعكس الإرادة العامة للناخبين.

ويؤكّد تمسّك عشرات البلدان بتنظيم انتخابات ومؤسسات حكم تمثيلية حتى وإن بدت في كثير من الأحيان شكلية، على أن المنحى التراجعي عن فكرة الديمقراطية ليس منحى نهائيًا أو أنه غير قابل للتوقف، وإنما يمكن النظر لذلك بصفته فرصة لتصحيح وإعادة إنعاش مسار ديمقراطي جدي وحقيقي، وتغيير النظرة التي ارتبطت بمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، على اساس سجلّها وتصنيفها في التقارير والمؤشرات العالمية المتخصصة، بأنها هي الأسوأ في العالم من حيث الحرية والعدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية وغياب الحكم الرشيد.

 

 

قد يعجبك ايضا