جليل إبراهيم المندلاوي
مع تصاعد التوترات العسكرية في المنطقة نتيجة للعمليات العسكرية الأمريكية ضد الحوثيين في اليمن، يطرح تساؤل جوهري هام حول احتمالية امتداد هذه التداعيات إلى العراق الذي يشكل نقطة التقاء للعديد من المصالح الإقليمية والدولية، والذي يواجه تحديات متزايدة في ظل التعقيدات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، كما يثار السؤال عن مدى قدرته على الحفاظ على استقراره في ظل العلاقات المعقدة بين الفصائل المسلحة في العراق وإيران، والتي يمكن أن تتسبب في زعزعة الأمن الداخلي للبلاد، ومن الممكن أيضا أن تؤدي التفاعلات الإقليمية المعقدة في الشرق الأوسط إلى انخراطه في هذا الصراع، مما قد يعرضه لتهديدات مباشرة من القوى الكبرى.
فالعراق، الذي لا يزال يعاني من تداعيات حروب سابقة وأزمات داخلية مزمنة، يواجه خيارا صعبا بين تعزيز استقراره الوطني من خلال ضبط الجماعات المسلحة وتطبيق سياسة حسن الجوار، أو مواجهة تحديات جديدة قد تجر البلاد إلى دوامة من النزاعات الإقليمية، وعلى الرغم من سياسة الحياد التي يتبعها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، في ما يتعلق بالنزاعات الإقليمية، إلا أن العراق لا يزال يشهد تهديدات متزايدة من فصائل مسلحة قد تساهم في تعقيد الوضع الأمني، تهديدات هذه الجماعات التي تساند الحوثيين وتعلن استعدادها للرد على الهجمات الأمريكية، قد تضع العراق في مرمى العمليات العسكرية الأمريكية إذا تدخلت هذه الفصائل في صراع مباشر مع الولايات المتحدة.
وقد أبلغت واشنطن الحكومة العراقية بضرورة اتخاذ إجراءات حاسمة لضمان عدم تفاقم الوضع الأمني، محذرة من أن أي دعم لهذه الفصائل قد يؤدي إلى تصعيد الضغوط الغربية على العراق، بما في ذلك فرض عقوبات اقتصادية وعسكرية قد تؤثر سلبا على استقراره، ورغم التحديات التي يواجهها العراق، إلا أن الحكومة العراقية تمتلك الإمكانيات المادية والعسكرية لمواجهة أي نزاع داخلي، وقد أظهرت بالفعل خطوات إيجابية، مثل إغلاق مكاتب الحوثيين في العراق، وهو ما يُعدّ خطوة نحو الحد من امتداد تأثير الحرب اليمنية إلى أراضيها، لكن، يبقى تعزيز السيطرة على الجماعات المسلحة أمرا بالغ الأهمية لتفادي أي زعزعة جديدة للاستقرار الداخلي، فالحكومة العراقية تمتلك القدرة على تفكيك هذه الجماعات عبر إجراءات قانونية صارمة وفرض الرقابة على نشاطاتها، خاصة أن إهمال هذه الفصائل قد يجعلها مصدرا رئيسيا لانعدام الاستقرار الإقليمي.
من جهة أخرى، يعد موقف العراق من الحرب في اليمن محط اهتمام دولي، حيث تسعى حكومة بغداد إلى الحفاظ على توازن دقيق بين القوى الكبرى في المنطقة، ومع تصاعد الضغوط من الولايات المتحدة، يتعين على العراق اتخاذ قرارات حاسمة لضمان الحفاظ على علاقات متوازنة مع جيرانه واللاعبين الدوليين، لضمان عدم الانزلاق في صراعات إقليمية قد تضر بمصالحه الوطنية.
في ظل هذه الظروف، يبقى السؤال الأهم: هل تستطيع الحكومة العراقية فرض سيطرتها على الجماعات المسلحة التي تشكل تهديدا حقيقيا لاستقرار البلاد؟ رغم سياسة الحياد التي تنتهجها الحكومة العراقية، إلا أن الوضع الراهن يتطلب موقفا أكثر صرامة لضمان استقرار العراق على المدى الطويل، حيث ينبغي على الحكومة العراقية أن تواصل تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة وحلفائها، وفي الوقت نفسه تحافظ على تواصلها مع إيران لضمان توازن مصالحها الإقليمية، فالعراق لا يمكنه تجنب التأثيرات الإقليمية، حيث إن أي تصعيد جديد في الشرق الأوسط قد يضعه في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، التي لن تتردد في الرد على أي هجمات قد تستهدف قواتها في العراق، وبالتالي، فإن بغداد تجد نفسها في موقف حرج، حيث تسعى للحفاظ على علاقات متوازنة مع كل من واشنطن وطهران، في ظل الضغوط المتزايدة من الطرفين.
لذلك ينبغي على الحكومة العراقية استغلال دورها كوسيط في المنطقة لدعم استقرارها الداخلي من خلال تعزيز آليات الحوار مع القوى المسلحة المختلفة، من خلال الحوار المفتوح مع جميع الأطراف، لتتمكن من معالجة العديد من القضايا الأمنية والسياسية التي تهدد استقرار البلاد.
من جانب آخر، لا يمكن تجاهل التداعيات الاقتصادية المحتملة التي قد تنتج عن تصعيد عسكري محتمل، ففي حال تأزمت الأوضاع أكثر، قد تفرض الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية شديدة على العراق، ما سيؤثر على الاقتصاد المحلي خاصة في مجالات الطاقة والتجارة الدولية، لذلك، يعد تعزيز الشراكات الاقتصادية مع الدول الغربية خطوة مهمة لتخفيف هذه الضغوط الاقتصادية.
في النهاية، يعتمد استقرار العراق بشكل كبير على قراراته السياسية والإستراتيجية في المرحلة القادمة، فبينما يحاول تجنب الانخراط في أي مواجهة عسكرية مباشرة، تظل التهديدات الأمنية والسياسية قائمة، ما لم يتمكن من تحقيق توازن دقيق بين القوى الداخلية والخارجية، يبقى التحدي الأكبر هو كيفية الحفاظ على استقرار العراق
في ظل هذه التفاعلات الإقليمية المعقدة، وتجنب تحوله إلى ساحة جديدة لصراع القوى الكبرى في المنطقة.