عقيل الفتلاوي
صحفي وباحث
في عصر التكنولوجيا والثورة الرقمية، أصبح التلفزيون واحدا من أكثر الوسائل الإعلامية انتشارا وتأثيرا في حياتنا اليومية. فهو ليس مجرد جهاز يعرض البرامج والأفلام، بل تحول إلى نافذة نطل من خلالها على العالم، نتعرف من خلالها على الثقافات المختلفة، ونعيش تجارب متنوعة دون أن نغادر مكاننا. ولكن، مع هذا الانتشار الواسع، برزت قضية شغلت بال الكثيرين، وهي قضية العنف التلفزيوني وتأثيره على المجتمع، وخاصة على الأطفال والمراهقين. العنف التلفزيوني لم يعد مقتصرا على أفلام الحركة أو المسلسلات البوليسية، بل امتد ليشمل البرامج الواقعية، والألعاب التلفزيونية، وحتى الإعلانات. المشاهد العنيفة أصبحت جزءا لا يتجزأ من المحتوى الذي نستهلكه يوميا، مما يطرح تساؤلات حول تأثير هذا المحتوى على سلوكياتنا وقيمنا. هل نحن أمام متعة بصرية لا أكثر، أم أننا نواجه خطرا حقيقيا يهدد نسيجنا الاجتماعي؟ منذ ظهور التلفزيون، كانت هناك دراسات عديدة تحاول فهم تأثير المشاهد العنيفة على المشاهدين، وخاصة الأطفال. تشير العديد من هذه الدراسات إلى أن التعرض المتكرر للعنف التلفزيوني يمكن أن يؤدي إلى زيادة العدوانية لدى الأطفال، وتقليل الحساسية تجاه العنف في الحياة الواقعية. فالأطفال، الذين لا يزالون في مرحلة تكوين شخصياتهم، يميلون إلى تقليد ما يشاهدونه، مما يجعلهم أكثر عرضة لتبني سلوكيات عنيفة دون إدراك العواقب. ولكن، هل يمكن أن نلوم التلفزيون وحده على انتشار العنف في المجتمع؟ بالطبع لا. التلفزيون هو مجرد وسيلة، والمحتوى الذي يعرضه هو انعكاس لثقافة المجتمع وقيمه. إذا كان المجتمع يميل إلى العنف، فمن الطبيعي أن ينعكس ذلك على شاشته الصغيرة. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن التلفزيون يلعب دورا في تعزيز هذه الثقافة، خاصة عندما يتم تقديم العنف بشكل مبالغ فيه، أو عندما يتم تصويره على أنه وسيلة مقبولة لحل المشكلات. وفي المقابل، هناك من يرى أن العنف التلفزيوني ليس سوى تعبير عن واقع نعيشه، وأنه لا يمكن عزله عن السياق الاجتماعي والسياسي الأوسع. فالعنف في الأفلام والمسلسلات قد يكون مجرد انعكاس للعنف الذي نراه في الأخبار يوميا. بل إن بعض المحللين يرون أن هذه المشاهد يمكن أن تكون وسيلة للتوعية، حيث تظهر عواقب العنف وتدفع المشاهدين إلى التفكير في آثاره السلبية. إذن، كيف يمكننا التعامل مع هذه القضية؟ الحل لا يكمن في منع عرض المشاهد العنيفة تماما، فهذا قد يكون غير واقعي في ظل حرية التعبير والتنوع الإعلامي الذي نعيشه. ولكن، يمكن أن نعمل على تحقيق توازن بين حرية الإعلام ومسؤوليته تجاه المجتمع. هذا يمكن أن يتحقق من خلال وضع معايير أخلاقية للإنتاج التلفزيوني، وتعزيز الرقابة الذاتية لدى المنتجين، وتشجيع صناعة محتوى يعزز القيم الإيجابية. كما أن دور الأسرة والمدرسة لا يقل أهمية. فالأهل والمعلمون يمكن أن يلعبوا دورا محوريا في توجيه الأطفال والمراهقين، ومساعدتهم على فهم الفرق بين الواقع والخيال، وتنمية قدراتهم النقدية حتى لا يكونوا مجرد متلقين سلبيين للمحتوى الذي يشاهدونه. وفي النهاية، العنف التلفزيوني هو قضية معقدة تتطلب تعاونا بين جميع الأطراف: المنتجين، الحكومات، المؤسسات التعليمية، والأسر. فالتلفزيون، كأداة قوية، يمكن أن يكون سلاحا ذا حدين. إما أن يكون أداة للترفيه والتوعية، أو أن يكون عاملا يساهم في تفاقم العنف في المجتمع. الخيار بين هذين المسارين يعود لنا جميعا.