حسو هورمي
تناقش هذه المقالة مقترحًا مهمًا يهدف إلى تعزيز العدالة الاجتماعية وتحقيق المساواة في فرص التعليم العالي من خلال تخصيص مقاعد دراسية لتمثيل الأقليات، أو ما يُعرف بـ “المكونات”، في مرحلتي الماجستير والدكتوراه. يُعتبر هذا الإجراء خطوة استراتيجية ضمن رؤية شاملة لمعالجة التفاوت الاجتماعي وعدم تكافؤ الفرص، حيث تسعى المؤسسات الأكاديمية من خلاله إلى إزالة العقبات التي تعترض الفئات المهمشة وتمكينها من الوصول إلى مستويات عليا من التعليم.
ما المقصود بمنح الأقليات؟
منح الأقليات هي برامج موجهة لدعم الفئات الأقل تمثيلًا أو الأكثر تهميشًا في المجتمع، والتي غالبًا ما تواجه تحديات تحول دون وصولها إلى التعليم العالي، خاصة في مرحلتي الماجستير والدكتوراه. لا تقتصر هذه المنح على تقديم الدعم المالي فقط، بل تشمل أيضًا توفير بيئة تعليمية محفزة، وبرامج إرشادية وأكاديمية تساعد الطلاب على الاندماج والنجاح.
أهمية دعم الأقليات في التعليم العالي
تُشكل هذه المبادرة جزءًا من السياسات الرامية إلى تحقيق التوازن الاجتماعي، حيث تسهم في الحد من الفجوات التعليمية والمهنية التي تعاني منها بعض الفئات بسبب عوامل اقتصادية، اجتماعية، ثقافية أو حتى سياسية. ويُعد توفير منح دراسية مخصصة إحدى الأدوات الأساسية التي تساعد في تحسين فرص الأفراد الذين يواجهون تحديات تعوق تحقيق تطلعاتهم الأكاديمية والمهنية. كما تساعد هذه المنح في تمكين الأقليات وتعزيز اندماجهم في المجتمع، مما يسهم في بناء مجتمعات أكثر عدلاً وتنوعاً.
الانعكاسات الإيجابية
يُعد منح فرص دراسية متكافئة للجميع عاملاً محوريًا في تعزيز العدالة الاجتماعية، حيث يتيح للأفراد من الأقليات الاندماج بشكل أعمق في المجتمع من خلال التعليم العالي. وبمرور الوقت، يساهم ذلك في بناء قوة عاملة أكثر تنوعًا وكفاءة، قادرة على دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية. كما يمثل التعليم العالي أداة فعالة لتعزيز التعددية وبناء مجتمع يحترم التنوع بجميع أشكاله، خاصة بالنسبة للمؤسسات الأكاديمية التي تسعى لاستعادة دورها كمحفز للفرص وتحقيق العدالة للجميع.
يدعم الاستثمار في المنح الدراسية تمكين الأقليات على المدى الطويل، مما يفتح المجال لتمثيل أوسع لهذه الفئات في مختلف القطاعات المهنية. فعندما يرى الأطفال والشباب أبناء مجتمعهم يحققون نجاحات أكاديمية ومهنية، يمنحهم ذلك الأمل والإلهام لتحدي الصعاب، ويؤكد لهم أن تحقيق الأحلام ليس حكرًا على فئة معينة.
وخير مثال على ذلك التأثير الإيجابي الذي أحدثه باراك أوباما وميشيل أوباما في تغيير نظرة الأقليات داخل الولايات المتحدة إلى إمكانياتهم، حيث أثبتا أن اللون أو الدين أو العرق ليست عوائق أمام الوصول إلى مراكز القيادة العليا، طالما توافرت الفرص وتم استثمارها بشكل صحيح.
باختصار، يعكس هذا المقترح أثرًا إيجابيًا متعدد الأبعاد، اقتصاديًا واجتماعيًا، مع تعزيز قيم التنوع والعدالة وتمكين الأجيال القادمة وتحفيزهم لتحقيق إنجازات أكبر.
كيف تسهم المنح في تحقيق العدالة التعليمية؟
تلعب المنح الدراسية دوراً مهماً في تحقيق العدالة التعليمية وبناء الثقة لدى الطلاب من الأقليات، وذلك من خلال عدة آليات:
1. توفير فرص تعليمية متساوية
سد الفجوة الاقتصادية: غالباً ما تواجه الأقليات تحديات اقتصادية تعيق وصولها إلى التعليم الجيد. المنح الدراسية تساعد في تغطية تكاليف التعليم، مما يضمن حصول الطلاب من الأقليات على فرص تعليمية متساوية مع أقرانهم.
الحد من التمييز (إن وجد): توفر المنح فرصاً للطلاب الذين قد يواجهون تمييزاً في القبول أو الوصول إلى التعليم بسبب انتمائهم إلى أقلية.
2. تعزيز الثقة بالنفس
الاعتراف بالقدرات: حصول الطالب على منحة يعزز ثقته بنفسه وقدراته، حيث يشعر بأن جهوده الأكاديمية قد تم الاعتراف بها وتقديرها.
تحفيز الطموح: المنح تشجع الطلاب على مواصلة تعليمهم وتحقيق أهدافهم الأكاديمية والمهنية، مما يعزز ثقتهم بمستقبلهم.
3. دعم الهوية الثقافية واللغوية
منح مخصصة للأقليات: بعض المنح تُصمم خصيصاً لدعم الطلاب من الأقليات، مما يعزز شعورهم بالانتماء ويشجعهم على الحفاظ على هويتهم الثقافية واللغوية.
تعزيز التمثيل: المنح تساعد على زيادة تمثيل الأقليات في المؤسسات التعليمية، مما يعزز ثقتهم بأنهم جزء لا يتجزأ من المجتمع.
4. توفير بيئة تعليمية داعمة
برامج مرافقة: بعض المنح تأتي مع برامج دعم إضافية مثل الإرشاد الأكاديمي، وورش العمل، والتدريب على المهارات الحياتية، مما يساعد الطلاب على التكيف مع البيئة التعليمية وبناء الثقة.
شبكات دعم: المنح غالباً ما توفر فرصاً للتواصل مع طلاب آخرين من خلفيات مماثلة، مما يعزز الشعور بالانتماء والدعم المتبادل.
5. تحقيق العدالة الاجتماعية
تقليل التفاوتات: المنح تسهم في تقليل الفجوات التعليمية بين الأقليات وبقية المجتمع، مما يعزز العدالة الاجتماعية.
تمكين الأقليات: من خلال توفير التعليم، تسهم المنح في تمكين الأقليات اقتصادياً واجتماعياً، مما يعزز مكانتهم في المجتمع.
6. تشجيع التنوع والشمول
تعزيز التنوع: المنح تشجع المؤسسات التعليمية على قبول طلاب من خلفيات متنوعة، مما يعزز قيم التنوع والشمول.
بناء جسور الثقة: عندما تشعر الأقليات بأنها مدعومة من خلال المنح، تزداد ثقتها بالمؤسسات التعليمية والمجتمع ككل.
7. تأثير طويل الأمد
تحسين فرص العمل: التعليم الذي تحصل عليه الأقليات من خلال المنح يفتح أبوابًا جديدة لفرص العمل، مما يعزز استقلاليتهم الاقتصادية وثقتهم بمستقبلهم.
إلهام الأجيال القادمة: عندما ينجح طلاب الأقليات بفضل المنح، يصبحون قدوة لأفراد مجتمعهم، مما يشجع الأجيال القادمة على السعي نحو التعليم.
التحديات التي تواجهها الأقليات في الوصول إلى التعليم العالي
تواجه الأقليات بعض العقبات التي تعيق وصولها إلى التعليم العالي، مما يؤثر بشكل مباشر على فرصهم الأكاديمية ومستقبلهم المهني. وتشمل هذه التحديات:
1. التحديات الاقتصادية: غالبًا ما يعاني أفراد الأقليات من أوضاع معيشية صعبة، مما يجعل تكاليف الدراسة الجامعية عبئًا ماليًا ثقيلاً عليهم، خاصة في ظل محدودية الدعم المالي أو الفرص المتاحة لهم.
2. العوائق الثقافية والاجتماعية: قد تتعرض بعض الفئات لضغوط اجتماعية أو قيود ثقافية تمنعهم من متابعة تعليمهم العالي، لا سيما في المجتمعات التي لا تشجع تعليم النساء أو تُقصي الأقليات عن الفرص الأكاديمية.
3. التحديات السياسية: في بعض الحالات، قد تؤدي بعض السياسات الحكومية أو الممارسات المؤسسية غير الداعمة إلى تفاقم الصعوبات التي تواجهها الأقليات، مما يقلل من فرص حصولهم على تعليم عادل ومتساوٍ.
حماية الحق في التعليم وضمان المساواة للأقليات في القانون الدولي
يحظى الحق في التعليم بحماية كبيرة من خلال مجموعة واسعة من الصكوك الدولية. يشير منتدى الأمم المتحدة المعني بقضايا الأقليات إلى أن العديد من الأقليات حول العالم تواجه تحديات ملموسة في الوصول إلى تعليم عالي الجودة، حيث تعاني من نقص في تكافؤ الفرص أو محدودية في إمكانية الوصول. يعترف القانون الدولي لحقوق الإنسان بأهمية هذا الحق، مبرزًا أبعاده الفردية والجماعية، ومشدّدًا على ضرورة اتخاذ تدابير خاصة لضمان حصول الأقليات على حقها الكامل في التعليم. بناءً على ذلك، تُعد المساواة أساسًا جوهريًا للحفاظ على هذا الحق وتعزيزه.
تؤكد القوانين والاتفاقيات الدولية على أهمية حماية حقوق الأقليات والشعوب الأصلية في التعليم، وتشجع الدول على اتخاذ التدابير اللازمة لضمان تمتعهم بحقوقهم التعليمية الكاملة. وتشكل هذه الاتفاقيات والإعلانات إطارًا قانونيًا يلزم الدول بتوفير فرص تعليمية عادلة وشاملة، مع احترام الهويات الثقافية واللغوية لهذه الفئات، مما يسهم في تحقيق المساواة والعدالة في العملية التعليمية. ومن أبرز هذه الإعلانات والقوانين والاتفاقيات الدولية:
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)
اتفاقية اليونسكو لمكافحة التمييز في التعليم (1960)
الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (1965)
العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1966)
اتفاقية حقوق الطفل (1989)
اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن الشعوب الأصلية والقبلية (1989)
إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو إثنية وإلى أقليات دينية ولغوية (1992)
إعلان وبرنامج عمل فيينا (1993)
إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية ((2007
أهداف التنمية المستدامة (2015)
الآثار الإيجابية لمنح الأقليات
1. تمكين الأفراد: تتيح هذه البرامج للأفراد فرصة تطوير مهاراتهم وتحقيق طموحاتهم، مما يساهم في تحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية.
2. تعزيز التنمية المجتمعية: عبر تمكين الأقليات، تساهم هذه المنح في بناء مجتمعات أكثر عدالة واستقرارًا.
3. إثراء البحث العلمي: يساهم تنوع الطلاب في إثراء البحوث الأكاديمية من خلال تقديم وجهات نظر جديدة ومبتكرة.
أفضل الممارسات الدولية مع الإشارة إلى تجربة إقليم كوردستان
في العديد من الدول، تُمنح المنح الدراسية كأداة لتعزيز التميز الأكاديمي، بهدف توسيع الفرص وتحسين النتائج ليس فقط للأفراد، بل للمجتمعات أيضًا. هناك العديد من النماذج الملهمة في هذا السياق، ومنها:
في الولايات المتحدة الأمريكية، تتبع العديد من الجامعات سياسة تقديم منح شاملة لطلاب الأقليات. مثال على ذلك، جامعة كولومبيا في نيويورك التي تقدم برنامج زمالة ما بعد الدكتوراه للأقليات.
في الهند، تقدم وزارة شؤون الأقليات منحًا سنوية لبرامج الماجستير والدكتوراه، وتركز بشكل خاص على الطلاب المتفوقين من الفئات الاقتصادية الضعيفة في مجتمع الأقليات.
جامعة LCC الدولية في ليتوانيا تقدم منذ عام 2016 منحًا شاملة وجزئية للدراسات العليا للطابة العراقيين من الأقليات.
جامعة Ball State University في ولاية إنديانا تخصص 24% من مقاعد الدراسات العليا لصالح الأقليات.
الجامعات الأمريكية خارج الولايات المتحدة مثل الجامعة الأمريكية في دهوك تقدم منحًا دراسية لطلاب الأقليات لدراسة البكالوريوس، بينما توفر الجامعة الأمريكية في أرمينيا فرصًا لدراسة الماجستير والدكتوراه كذلك.
الجامعة الكاثوليكية في أربيل تمنح مقاعد دراسية للأقليات في مرحلة البكالوريوس.
في الولايات المتحدة الأمريكية ، نظام “الكوتا التعليمية” يشمل العديد من الفئات المهمشة مثل الأمريكيين الأفارقة، السكان الأصليين، الإسبان واللاتينيين، الطلاب ذوي الإعاقة، النساء والأقليات الدينية، إضافة إلى الأفراد الذين يعانون من صعوبات التعلم.
تجربة حكومة إقليم كوردستان
في إطار اهتمام حكومة إقليم كوردستان بحقوق ذوي الشهداء والمؤنفلين وتقدير تضحياتهم، يتم تخصيص مقاعد دراسية خاصة بهم في برامج الدراسات العليا (الماجستير والدكتوراه). تهدف هذه المبادرة إلى تخفيف آثار الحروب السلبية على العائلات ومساعدتهم في الاستفادة العادلة من المنح الدراسية.
في هذا السياق، تُطرح دعوة لتوسيع هذه التجربة بحيث تشمل الأقليات أيضًا. يُقترح تخصيص نسبة سنوية أو دورية من المقاعد الدراسية في برامج الدراسات العليا والمنح الدراسية الخاصة بالأقليات. يتم التنافس بين أبناء وبنات الأقليات بناءً على معايير القبول والشروط الأكاديمية المحددة لكل برنامج. كما يُفضل أن يُسمح لهم بالتنافس على المنح الدراسية العامة أيضًا.
الخاتمة
في ظل التحديات التي تواجهها العديد من الفئات المهمشة، تُعتبر منح الأقليات خطوة ضرورية نحو تحقيق العدالة التعليمية والاجتماعية. إن تعزيز هذه السياسات ليس فقط واجبًا أخلاقيًا، بل هو أيضًا استثمار في مستقبل أكثر إشراقًا للجميع و من خلال دعم هذه الفئات، نضمن بناء مجتمع متنوع، متسامح، وقادر على مواجهة التحديات المستقبلية بكل كفاءة واقتدار.
نأمل أن تتعامل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والجهات ذات الصلة في العراق وإقليم كوردستان مع هذه المقالة كمناشدة عادلة، تسلط الضوء على ضرورة إنصاف الأقليات والشعوب الأصلية في العراق، من خلال توفير فرص أكاديمية متكافئة لهم، وضمان حصولهم على تعليم عالي الجودة يعزز هويتهم وحقوقهم الأساسية .
أنا على ثقة بأن اعتماد هذه المبادرة سيؤدي إلى تمكين الأقليات وتعزيز مشاركتهم الفعّالة في بناء وطن يسوده العدل والتنوع، حيث تُفتح فرص متساوية للجميع للإسهام في تحقيق نهضة شاملة تعود بالنفع على المجتمع بأسره.
تنويه: لقد تم تسليم نسخة من هذه المبادرة في عام 2023 إلى كل من “لجنة الشؤون الاجتماعية والدفاع عن حقوق المرأة وحقوق الإنسان في برلمان إقليم كوردستان” و”وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لإقليم كوردستان-العراق”.