د. ابراهيم احمد سمو
في كل الأوقات، من الضروري أن يكون الإنسان حاسمًا في قراراته وواثقًا من قناعاته، إذ إن النهاية واحدة للجميع، فلا فرق بين من يموت محاطًا بالآلاف ومن يرحل وحيدًا، فالجميع يغادرون هذه الدنيا حفاةً عراة، إلا بما قدّمت أيديهم من أعمال تبقى شاهدة عليهم وتحملهم في الآخرة نحو مصيرهم المحتوم. النجاح الحقيقي ليس في طول العمر، بل فيما يتركه الإنسان من أثر، فالعمر بلا صحة ولا عمل صالح مجرد عبء على صاحبه وعلى من حوله، حيث يتحول إلى مصدر قلق وكذب واضطراب.
كم من أشخاص أرادوا الخير لأنفسهم ولمن حولهم، لكنهم وجدوا جدرانًا تحيط بهم، وعُزلوا عن القرار بسبب البيئة التي أحاطت بهم! غير أن البداية الجديدة دائمًا خيارٌ ممكن، فلا خوف من العمر كعائق، ولا قلق من تجربة جديدة في مسيرة الإنسان. كم هو جميل أن يحقق المرء ما يريد، وأن يعيش بحرية تامة، لا في سجن يختاره أو يُفرض عليه، بل في فضاء لا حدود له، يتنفس فيه قراراته دون ضغوط أو وصاية.
القناعة بالقرار أمر ضروري، لكن اتخاذ القرار بعد مشاورة غير صادقة قد يؤدي إلى نهايات مأساوية. فالعقل والتدبير من أعظم نعم الإنسان، ولا ضرر في الاستشارة، لكنها تصبح كارثية إذا كانت مع من يحمل الحقد والغيرة، ولا يتحمل نجاح الآخرين، بل يسعى إلى إثبات أنانيته بأي وسيلة كانت. فمن يسقط ضحية النفاق لا يجد من يهتم لأمره، لأن غاية المنافق ليست تحقيق الخير، بل الوصول إلى الصدارة بأي ثمن.
الحكمة ليست في ادعاء الأحقية المطلقة بالقرار، ولا في فرض الذات كمرجعية وحيدة، بل في تجربة الحياة والتعلم من دروسها. أما من يسعى إلى الاستحواذ على القرار بحجة أنه الأكثر دراية أو شهرة أو تأثيرًا، فهو أول من يهرب عند مواجهة المسؤولية، ويتوارى خلف حجج واهية، كمن يدّعي المرض عند وقوع الأزمات، بينما لم يكن له أي تأثير يُذكر في لحظات الحسم.
الإنسان خُلق ليكون صاحب قرار، لكن الفارق يكمن في طريقة اتخاذه. فهناك من يتخذ قراراته بصدق وإخلاص، ويبذل المستحيل من أجل إسعاد الآخرين، لكن سوء الفهم واستغلال المواقف قد يجعله ضحية لمكائد الآخرين. كثيرون يدخلون لعبة التلاعب بالمشاعر والمواقف، لكنهم لا يحسنون الخروج منها، فيقعون في الفخ الذي حفروه بأنفسهم، لا حبًا للآخرين، بل رغبة في كشف ما بداخلهم من أحقاد وتأجيج الفتن.
وما نراه اليوم في مسلسلات رمضان ما هو إلا انعكاس لنوايا البشر المختلفة، فبين من يسعى للسلطة، ومن يغرق في الكذب، ومن يعمل على تفكيك الروابط الأسرية، نجد أيضًا من يسعى لجمع الأحباب، ومن يتلاعب بالاقتصاد والسياسة، وحتى من يعيد إحياء قضايا تاريخية لإثارة الجدل، كما في المسلسلات التي تتناول سيرة الشخصيات المثيرة للنقاش مثل معاوية. هذه الأعمال تكشف لنا حقيقة البشر، وتعيد إنتاج صراعات الماضي في صور جديدة تتكرر في واقعنا اليوم.
ربما تكون هذه المواضيع فرصة للتأمل والكتابة عنها، فكل عنوان في هذه المرحلة يحمل في طياته أكثر من وجه وأكثر من درس، خاصة في زمن تتداخل فيه الحقائق مع الأوهام، ويصبح القرار الحقيقي هو قدرتنا على التمييز بين الحكمة والتسلط، وبين المشورة الصادقة والاستغلال، وبين الحرية الحقيقية والقيود التي نصنعها لأنفسنا