محنة الخنساء

 

د . صباح ايليا القس

 

الخنساء شاعرة الرثاء ولا يمكن ان ينافسها في هذا الغرض احد من الشعراء لانه لا يستطيع احد من الشعراء او الشواعر ان يكرر تجربتها في فقدان اخويها صخر ومعاوية .

الرثاء في الادب يقصد به مدح الميت بغض النظر عن طبيعة موته ويشتمل الرثاء على البكاء والنواح الذاتي الخاص جدا تفريجا عن هم داخلي ينطلق من حب الموتى بغض النظر عن طبيعة العلاقة الانسانية بين الاثنين وبعد البكاء يأتي مدح صفات الميت والاكثار والمبالغة في شمائله مثل الكرم والشجاعة وحماية الجار والمستجير وغير ذلك ..

الخنساء هي بنت الاكابر واخت الفارسين حين قالت في حق صخر إنه جنة الزمان الاغبر اما معاوية فهو القائل الفاعل . وقالت اما صخر فحر الشتاء واما معاوية فبرد الهواء , وقيل لها : ايهما أوجع وأفجع فقالت : اما صخر فجمر الكبد واما معاوية فسقام الجسد وأنشدت فيهما :

أسدان محمرا المخالب نجـــــدة    بحران في الزمن الغضوب الأنحــرِ

قمران في النادي رفيعا محتـــدٍ     في المجد فرعا سؤود متخيــــــــــــرِ

اما عن نفسها فتذكر كتب التراث انها خطبها فارس هوازن الشاعر المعروف دريد بن الصمة لكن لم ترغب خطبته بل اجلت ذلك الى حين ان تزوجت من رواحة بن عبد العزيز السلمي لكنها لم تشعر بدفء الزواج وقد حاول صخر اخوها ان يعالج الامر بينهما لكن الزوج كان مقامرا متلافا لم تنفع معه الاموال التي اوصلها اليه صخر فكان الفراق بينهما .

لكنها في زواجها الثاني رأت الاستقرار والهدوء اذ كان زوجها مرداس بن ابي عامر السلمي الملقب بالفيض لجوده وسخائه طيبا وعرف كيفية التعامل مع شاعرة مثل الخنساء .

الخنساء حفظت وفاء زوجها لها ولم تقل شعرا كثيرا في هذه المرحلة إلا انها اكرمت هذا الزوج اذ ان مرثيتها فيه تعد من عيون الشعر في رثاء الازواج تقول :

ولما رأيت البدر أظلم كاسفــــــــــا      أرن شواذ لطيفه ولسوائلــــه

لقد خار مرداساً على الناس قاتلــه      ولو عاده كناته وحلائــــــــله

وفضل مرداسا على الناس حلمــه      وإن كان مهم همٍّ فهو فاعلــــه

متى ما توازن ماجدا يعتدل بـــــه      كما عدل الميزان بالكف راطله

كان مقتل اخيها معاوية صدمة وفاجعة لم تكن تتوقعها اذ قتله قوم من آل غطفان بن مرة فرثته بقصائد ومقطوعات متعددة وقالت فيه :

ألا لا ارى في الناس مثل معاوية        اذا طرقت احدى الليالي بداهية

فأقسمت لا ينفك دمعي وعولتي          عليك بحزن ما دعا الله داعيــة

واذا كان مقتل اخيها معاوية ابتداء حزنها فان موت صخر الاخ الذي جعلته حبيبها وزين عشيرتها اذ وجدت فيه الحلم والجود والشجاعة والوسامة ومن هذه الواقعة برزت الخنساء بوصفها شاعرة الرثاء الاولى لا سيما بعد فقد صخر الحبيب اذ هي هنا فقدت لذة الحياة واخذت تنظر الى الحياة نظرة سوداوية فلم تعد ترى الا اليأس والبؤس والعذاب والبكاء والحسرة . واخذ صخر من اخته اكثر من سبعين قصيدة هي من عيون شعر الرثاء العربي تقول :

أبنت صخر تلكم الباكيــــة    لا باكي الليلة إلا هيــــه

أودى ابو حسان واحسرتا    وكان صخر ملك العالية

وقالت :

يا صخر , من لحوادث الدهر        ام من يسهل راكب الوعــــرِ

كنتَ المفرِّج ما ينوب فقـــــــد        أصبحت لا تُحلي ولا تمري

وقالت :

وأبكي لصخر اذ ثوى      بين الضريحة والصفائح

السيد الجحجاح وابـــن     السادة الشم الجحاجـــح

الجحجاح = البطل .

قد يعجبك ايضا