متابعة : حسو هورمي
فيلم: “العذراء والطفل”، من إخراج الكوردية بيريفان بنفشه والمقيمة في بروكسل ، هو عمل سينمائي جريء ومؤثر يتناول بجرأة ودقة أعماق الألم الإنساني، ليكشف عن جرح لم يندمل بعد. يستعرض الفيلم مأساة النساء الإيزيديات اللواتي كنّ ضحايا لوحشية تنظيم داعش الإرهابي، مقدّمًا لوحة سينمائية صادمة تعكس حجم المعاناة التي تعرضت لها هؤلاء النساء.
في الوقت ذاته، يجسد الفيلم رحلة الصمود والأمل رغم القسوة والظلم المفرط، حيث تتمحور أحداث العمل حول أفيستا، الفتاة الإيزيدية الشابة التي تقع في أيدي داعش، حيث تواجه اختطافًا واغتصابًا قسريًا ينتهي بحملها بطفل من مغتصبها. بعد هروبها، تجد نفسها أمام تحديات جديدة أكثر تعقيدًا، تبدأ مع هجرتها إلى بلجيكا. بينما تحاول تجاوز صدمات الماضي وبناء مستقبل جديد، تصطدم بواقع لا يقل صعوبة؛ بناءً على الغربة المستمرة بين ثقافةٍ جديدة وأسئلة مؤلمة عن هويتها وهوية طفلها، بين ماضٍ لا يرحم ومستقبل مجهول.
يعالج الفيلم مواضيع اجتماعية وسياسية شديدة الحساسية، أبرزها العنف الجنسي كسلاح حرب، الإبادة الجماعية التي طالت المجتمع الإيزيدي، أزمة الهوية الممزقة، والتجارب المريرة للأمهات الناجيات اللواتي يحملن في أحشائهن ثمرة الاعتداء، ويجدن أنفسهن أمام خيارات مستحيلة بين الأمومة والوصمة الاجتماعية.
كما يلقي الضوء على الصدمات النفسية التي تعيشها اللاجئات اللواتي اعتقدن أن النجاة من الحرب تعني نهاية الألم، ليكتشفن أن تأثيراتها تطاردهن حتى في أماكن اللجوء. بيريفان بنفشه، المخرجة الكوردية المولودة في كوردستان تركيا والتي اشتهرت بأعمالها التي تناضل للدفاع عن قضايا المرأة وتوثق معاناتها، لا سيما في مناطق الحروب والنزاعات، تقدم من خلال هذا الفيلم معالجة إنسانية مليئة بالتفاصيل الواقعية والمجردة. بفضل رؤيتها الإبداعية، استطاعت أن تجعل من رحلة أفيستا شهادة دامغة على ما اقترفه تنظيم داعش من جرائم بحق الإنسانية، وفي الوقت نفسه إحياءً لصمود النساء اللواتي رفضن الهزيمة أمام يد الجلاد. “العذراء والطفل” يتعدى كونه مجرد فيلم؛ فهو يمثل صرخة احتجاج قوية بوجه العالم، وتذكيرًا بآلام الحرب الممتدة في أماكن كثيرة وخفية. يوجه العمل رسالة تدعو إلى دعم الناجيات في رحلة تعافيهن وتحقيق العدالة المنشودة واستعادة حياة يستحقنها، تلك الحياة التي سُلبت منهن يومًا ما.
نهج واقعي وتمثيل رائع.
تتبع المخرجة نهجًا دقيقًا في استعراض رحلة البطلة، مُعبرةً عن صمتها ونظراتها بتصوير عميق يعكس الأمل في الحصول على الدعم على طول الطريق. الفيلم يُسلط الضوء على تعقيدات حياة النساء اللاتي أصبحن أمهات وسط العنف والكراهية، ويفحص إمكانية التوفيق بين مشاعرهن وأطفالهن.
استباقًا لتصوير الفيلم، حرصت المخرجة على لقاء الناجيات من سطوة تنظيم داعش والاستماع إلى رواياتهن، بهدف الاقتراب من الواقع ونقل الأحداث بدقة وواقعية. هذا الأسلوب يعكس التزامها بتقديم قصة مؤثرة وصادقة تسلط الضوء على معاناة الناجيات وتجاربهن المريرة. من خلال الإصغاء لشهاداتهن، تمكنت المخرجة من استيعاب أدق التفاصيل واستكشاف المشاعر العميقة التي رافقت تلك التجارب، مما يُسهم في إنتاج عمل سينمائي قوي يعبر بأمانة عن الحقائق الإنسانية.
هيفين تكين، الممثلة الكوردية المولودة في برلين، تجسد شخصية أفستا بنظرة عابسة وكثافة عاطفية كبيرة، بينما تؤدي ليتيسيا إيدو دور عاملة اجتماعية تعاني من صدمات ماضٍ مؤلم، بتجسيد دقيق ومؤثر.
المشاركات والجوائز
جائزة الجمهور ميدي ليبري في مهرجان سينما ميد في مونبلييه (فرنسا)
جائزة الشباب في مهرجان سينما ميد في مونبلييه (فرنسا)
جائزة الجمهور في المهرجان الدولي في بروكسل
جائزة LES GRENADES في المهرجان الدولي في بروكسل
أفضل ممثلة في السينما الكردية في مهرجان دهوك السينمائي الدولي
أفضل سيناريو في السينما الكردية في مهرجان دهوك السينمائي الدولي
البطاقة التعريفية للفيلم
الاسم: “العذراء والطفل”
الإخراج: بنفشا بيريفان
إنتاج: شركة بلاي تايم فيلمز (بلجيكا) بالتعاون مع شركة بولار بير (بلجيكا)، عام 2024.
جنس ومدة الفيلم: روائي طويل، 77 دقيقة
ملخص الفيلم:
أفيستا، شابة إيزيدية ناجية من داعش، تصل إلى بروكسل للانتقام من الرجل الذي استعبدها وتقديمه للعدالة كونه يحمل الجنسية البلجيكية وهو من أصول مغربية. بين كفاحها من أجل العدالة الذي يعيدها إلى أحلك أيامها، واضطرارها لأن تكون أمًا لطفل غير مرغوب فيه، تُكافح أفيستا لإيصال صوتها مهما كلف الأمر.
التمثيل:
هفين تكين
ليتيتيا إيدو
إيزابيل دي هيرتوغ
فريدة أوتشاني
باربرا سارافيان
فلونيا خوديلي
رودا فواز
كريس كوبينز
دينيس مبونغا
زيريك أحمد
ملاحظة: لا أرغب في الكشف عن جميع تفاصيل الفيلم حفاظًا على عنصر التشويق ومتعة المشاهدة، خاصة أنه لا يزال يُعرض في دور السينما الأوروبية ويشارك في المهرجانات السينمائية الدولية.