متابعة ـ التآخي
للتكنولوجيا تأثيرات عميقة ومتشعبة على العلاقات الاجتماعية في المجتمع، ويمكن تقسيم هذه التأثيرات إلى جوانب إيجابية وسلبية.
من التأثيرات الإيجابية ان التكنولوجيا تتيح أدوات تواصل متنوعة (مثل وسائل التواصل الاجتماعي، والبريد الإلكتروني، وتطبيقات المراسلة) تجعل التواصل أسهل وأسرع، وتسمح بالبقاء على اتصال مع الأصدقاء والعائلة بغض النظر عن المسافات، و تساعد في بناء علاقات جديدة وتوسيع دائرة المعارف.
و تتيح التكنولوجيا للأفراد التواصل مع أشخاص من ثقافات وخلفيات متنوعة، مما يعزز التفاهم والتبادل الثقافي، وتسهل التواصل بين المجتمعات المحلية والعالمية، مما يسهم في بناء مجتمع عالمي أكثر ترابطا؛ كما توفر وسائل التواصل الاجتماعي منصات للأفراد للتعبير عن آرائهم ومشاركة اهتماماتهم، والشراكة في النقاشات العامة، و تسهل تنظيم الفعاليات والمبادرات الاجتماعية، وتعبئة الجهود الجماعية للقضايا المشتركة.
و يمكن للتكنولوجيا أن تعزز العلاقات القائمة بتوفير طرق جديدة للتواصل والتفاعل، على سبيل المثال، يمكن للأصدقاء والعائلة مشاركة الصور ومقاطع الفيديو والتحديثات مع بعضهم البعض، مما يساعدهم على البقاء على اطلاع على حياة بعضهم البعض.
تأثيرات التكنولوجيا السلبية
قد يؤدي الإفراط في استعمال التكنولوجيا إلى العزلة والانفصال عن العلاقات الاجتماعية الحقيقية، وقد يفضل الأفراد التواصل عبر الإنترنت على التواصل المباشر، مما يقلل من جودة العلاقات الاجتماعية، كما قد يؤدي الاعتماد المفرط على التواصل الرقمي إلى ضعف مهارات التواصل الاجتماعي، مثل القدرة على التعبير عن المشاعر وفهم لغة الجسد.
و قد يواجه الأفراد صعوبة في بناء علاقات اجتماعية قوية في العالم الحقيقي، كما تسهل التكنولوجيا انتشار التنمر الإلكتروني، مما قد يؤثر سلبا على الصحة النفسية للأفراد، وقد تسبب ذلك بوفاة اشخاص بسبب التنمر، كما قد يتعرض الأفراد للإساءة والتحرش عبر الإنترنت، مما يسبب لهم الشعور بالخوف والقلق.
و قد يؤدي الإفراط في استعمال التكنولوجيا إلى إهمال العلاقات الأسرية، وتراجع التواصل بين أفراد الأسرة، و قد يقضي أفراد الأسرة وقتًا أطول في استعمال الأجهزة الإلكترونية بدلًا من قضاء الوقت معًا، كما يمكن أن تؤدي وسائل التواصل الاجتماعي إلى المقارنات الاجتماعية السلبية، اذ يقارن الأفراد أنفسهم بحياة الآخرين التي يجري عرضها بشكل مثالي على الإنترنت. هذا يمكن أن يؤدي إلى الشعور بالغيرة وعدم الرضا.
وهنا من المهم استغلال التكنولوجيا بشكل متوازن ومعتدل، وعدم السماح لها بالتأثير سلبا على العلاقات الاجتماعية الحقيقية، ويتوجبتشجيع التواصل المباشر والتفاعلات الاجتماعية في العالم الحقيقي، وتعليم الأفراد مهارات التواصل الاجتماعي المطلوبة لبناء علاقات صحية وقوية.
يجب أن يكون الأفراد على دراية بالمخاطر المحتملة للتكنولوجيا، مثل التنمر الإلكتروني والمقارنات الاجتماعية السلبية، واتخاذ خطوات لحماية أنفسهم.
بشكل عام، التكنولوجيا أداة قوية يمكن استغلالها لتعزيز العلاقات الاجتماعية، ولكن يجب استعمالها بحكمة ومسؤولية لتجنب التأثيرات السلبية.
استغلال ايجابية التعامل الالكتروني
للتكنولوجيا استعمالات إيجابية لا حصر لها، فهي أداة قوية يمكن تسخيرها لتحسين حياتنا في شتى المجالات، وتنمية التعامل الاجتماعي والعلاقات السليمة.
ففي مجال التعلم عن بعد، تتيح التكنولوجيا الوصول إلى مصادر تعليمية متنوعة من أي مكان وفي أي وقت، مما يسهل عملية التعلم ويجعلها أكثر مرونة، وتساعد التطبيقات والألعاب التعليمية في تطوير مهارات الطلاب في شتى المجالات، مثل الرياضيات والعلوم واللغات، و تتيح منصات التواصل الإلكتروني التواصل الفعال بين المعلمين والطلاب، وتبادل المعلومات والواجبات بسهولة.
وفي مجال الصحة، تساعد التكنولوجيا في تطوير الأجهزة الطبية الحديثة، وتحسين دقة التشخيص والعلاج، كما تتيح التطبيقات والمواقع الإلكترونية الوصول إلى معلومات صحية موثوقة، مما يساعد الأفراد على اتخاذ قرارات صحية سليمة، ويعزز العلاقة بين المريض والطبيب المعالج.
و تساعد الأجهزة القابلة للارتداء والتطبيقات الصحية في مراقبة الحالة الصحية للأفراد عن بعد، وتنبيههم في حالة تواجد أي مشكلات.
ويمكن استغلال منصات التواصل الاجتماعي في التعرف على أشخاص جدد وتكوين صداقات وعلاقات اجتماعية مختارة سليمة، كما يمكن استعمال وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الوعي بالقضايا الاجتماعية والإنسانية، وحشد الدعم للقضايا النبيلة.
في مجال العمل
وفي مجال العمل تساعد التكنولوجيا في أتمتةالمهام الروتينية، وتوفير الوقت والجهد، مما يزيد من إنتاجية العمل؛ و تتيح أدوات التواصل والتعاون الإلكترونية التواصل الفعال بين أعضاء الفريق، وتبادل المعلومات والملفات بسهولة؛ وتخلق التكنولوجيا فرص عمل جديدة في مجالات مثل تطوير البرمجيات، والتسويق الرقمي، والتجارة الإلكترونية والعمل عن بعد بما يجنب المؤسسات مشكلات التنقل والمواصلات ويقلل التكاليف.
و تتيح منصات البث الرقمي والألعاب الإلكترونية الوصول إلى محتوى ترفيهي متنوع وممتع، فيما تتيح المواقع الإخبارية والتطبيقات الإخبارية الوصول إلى الأخبار والمعلومات من جميع أنحاء العالم.
و تساعد الأدوات والتطبيقات الإبداعية في تطوير مهارات الإبداع والتعبير عن الذات، ومبادلتها مع الآخرين بما يعزز العلاقات الاجتماعية حتى المباشرة منها.
تجنب مخاطر الاستعمال السلبي
ينصح الباحثون والمختصون الاجتماعيون والنفسيون الناس قبل استعمال التكنولوجيا، بتوجيهات من اهمها: كن على دراية بالمخاطر المحتملة للتكنولوجيا، واتخذ خطوات لحماية نفسك. لا تدع التكنولوجيا تسيطر على حياتك، وحافظ على توازن بين استعمال التكنولوجيا والتفاعل مع العالم الحقيقي. استعملالتكنولوجيا لمساعدة الآخرين ونشر الخير في العالم.
ويمكن القول هنا ان التكنولوجيا تؤدي دورا هاما في توفير فرص عمل جديدة في عدة مجالات، بما ينمي الروح الاجتماعية وقيم الخير.
فهي توفر فرص عمل في مجالات مثل الهندسة الوراثية والطب الجيني، و في مجالات التعلم الآلي والرؤية الحاسوبية، وفي مجالات مثل الهندسة النانوية والطب النانوي، و في تطوير البرمجيات وبرمجة الويب، وفي مجالات مثل الإدارة التكنولوجية والاستشارات التكنولوجية، و فرص عمل في مجالات التسويق الرقمي والتجارة الإلكترونية.
و توفير عمل في مجالات مثل تحليل البيانات الكبيرة والبيانات العلائقية، والأمن السيبرانيوالتحليلات الأمنية، والتكنولوجيا المالية والخدمات المالية الرقمية.
وبرغم ان التكنلوجيا تؤدي إلى فقدان بعض فرص العمل، فانها تبتكر وظائف جديدة، مما يؤدي إلى توفير فرص عمل جديدة، بما يؤدي إلى تغيير في الطريقة التي يعمل بها الناس، وتوفير الشغل في مجالات مثل العمل عن بعد والعمل الحر.
خلاصة التغيير التكنولوجي
ان التغيير الاجتماعي سنّة كونية وعامل لابد منه على اختلاف الحضارات والأديان والأمم والعوامل المحيطة، وكم من أمم قاومت التغيير فكانت نهايتها الهلاك، من يريد البقاء عليه بالتغيير ومواكبة ما حوله من متغيرات ومنها التغيرات التكنولوجية التي أثرت في حياتنا إلى حد كبير.
من المفيد في هذا المجال أن نذكر ما كتبه آلفين توفلر الكاتب والمفكر والعالم في مجال المستقبليات في كتابه “الموجة الثالثة”: “لقد جلبت لنا الحضارة نمطا عائليا جديدا، وغيرت طرق العمل، والحب والمعيشة، وظهر اقتصاد جديد نتج عنه مشكلات سياسية جديدة، وفي خلفية كل ذلك تبدل وعي الإنسان”.
فعند تأملاتنا في ممارسات الناس اليومية أصبح استعمال الموبايل في أخذ الصور واستعمال التطبيقات بخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، أمرا أساسيا على اختلاف المستويات الاجتماعية والثقافية والعلمية، كما أصبح انتشار الأجهزة الإلكترونية كبيرا في جميع المجالات فجرى التطوير على التلفزيون، ليصبح هناك التلفزيون الذي يشغّل القنوات عبر الإنترنت، وأصبح يمكن ربط الموبايل بهوالتصفح بوساطته، كما انتشرت الألعاب الإلكترونية على اختلاف أنواعها، وانتشرت الساعات الذكية والرقمية التي تتحكم في كثير من الجزئيات في حياة الإنسان وتقيس مقدار التزامه بالتمارين الرياضية وغيرها، والامر يتجه نحو التطور السريع، ففي الطريق النظارات الالكترونية التي سينعزل بها الناس عن بعضهم اكثر فاكثر.
الانشغال بالإنترنت والأجهزة أسهم بشكل كبير في تخفيف الساعات التي يقضيها أفراد الأسرة معا، واسهم في التأثير على الأفكار والتوجهات نظراً لما يجري نشره وتداوله على مواقع التواصل الاجتماعي والتلفزيون.
كما أصبحت المؤتمرات تعقد عبر البث المباشر مع عدة جهات من شتى الدول، وازداد التعارف والتواصل بين الثقافات ومنها ما أثر على التكوين الأسري اذ أصبح البعض يرتبط بأجناسمتنوعة ويختار شريكا لحياته من خارج حدوده الجغرافية وخلفيته الثقافية بل وربما الدينية.
والتغيير التكنولوجي حلقة تعود وترجع إلى الحاجة إلى التغيير المجتمعي في مجال التكنولوجيا وتحسين الحياة على المستوى الفردي والمجتمعي ومنها تعود آثارها الإيجابية والسلبية على المجتمع نفسه، والتكنولوجيا تُعد مُلبيا أساسيا لحاجة الإنسان لتوفير الوقت والجهد وإيجاد نمط حياة أسهل وأحدث يوفر له الراحة والسعادة، والتغيير التكنولوجي يسهم بشكل كبير وأساسي في التغييرات المجتمعية الأخرى السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
وعندما نتحدّث عن النواة الأساسية في المجتمع وهي الأسرة، نجد أن تطور التكنولوجيا أثّر بشكل كبير وملحوظ في طرق التواصل الأسري والعلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة، فنجد أن التواصل الفعلي يجري استبداله بالمكالمات والرسائل، كما أن الانشغال بالإنترنت والأجهزة والألعاب أسهم بشكل كبير في تخفيف الساعات التي يقضيها أفراد الأسرة الواحدة معاً، واسهم بشكل كبير في التأثير على الأفكار والتوجهات نظراً لما يتم نشره وتداوله على مواقع التواصل الاجتماعي والتلفاز والمذياع والإنترنت.
وعندما نتحدث عن نمط الحياة فنجد أن نمط الحياة السريع والسهل حلّ محل نمط الحياة البطيء والتقليدي، فمع انتشار التكنولوجيا التي تساعد الإنسان في تنظيم وتحسين نوعية حياته سَهُلَت حياة الإنسان وأصبحت سريعة الوتيرة، فبإمكانه الآن بضغطة زر واحدة أن يصنع قهوته التي يبدأ بها يومه وأن يحضّر طعامه وأن يقوم بكي ثيابه وتجفيفها وأن يقرأ على الآيباد والأجهزة اللوحية بل وأن يستمع صوتياً للكتب التي يُحب، وأن يدفع فواتيره ويتسوق إلكترونياً ويستمع إلى الموسيقى، ويستطيع الإلمام بأخبار العالم، والتواصل مع الأصدقاء والأهل الذين يقطن معهم أو الذين يعيشون خلف الحدود.
في السابق كانت هذه الأعمال تتطلّب مجهوداً أكبر وتقتضي كثيرا من الساعات الطويلة ولكن نمط الحياة الاجتماعي كانت تسوده البساطة والمحبّة أكثر، لذا في عصرنا هذا نجد أن الأعمال اليدوية التي تجري بعيداً عن التصنيع تكلف أكثر لأنها صنعت بحب وبشكل أصلي عريق بعيداً عن أيدي الآلات، فيما نرى النمط الاستهلاكي منتشراً أكثر الآن والاهتمام بالمظاهر واقتناء الأجهزة والثياب أصبح يعد أحد ضرورات الحياة بل وأحياناً يضطر كثير من الأشخاص إلى الإسراف في ذلك وتقديم الأمور المتعلّقة بالمظاهر على حاجات أساسية أخرى وأخذ القروض لتحسين مستوى حياتهم التي لم تعد تغطيها مكتسباتهم وثروتهم.
وعلى الصعيد المهني هناك عديد الوظائف والمهن التي استحدثت مع زيادة التكنولوجيا وانتشار التطبيقات والمواقع الإلكترونية وأمن الشبكات والمواقع الاجتماعية، فأصبحت هناك وكالات خاصة للتسويق الإلكتروني وتطوير التطبيقات والمواقع الإلكترونية، وانتشرت أيضاً مواقع العمل عن بُعد، واستُحدثت الكتب والصحف والمجلات الإلكترونية التي استبدلت بالكثير من المطابع والصحف فضلا عن الكتب المسموعة التي غدت ملائمة جداً لواقع سريع الوتيرة وعدم تواجد الوقت للقراءة في كثير من الأحيان، كما أثّر ذلك على أساليب الكتابة والتعبير على المستوى الشخصي والمهني.
وحتى المكالمات الصوتية جرى استبدالها في كثير من الأحيان بالمحادثة عبر الفيسبوكوالواتس آب وكثير من التطبيقات للشات والمحادثة عبر الإنترنت.
لا ننكر تواجد آثار سلبية للتقدم التكنولوجي كالكسل والسمنة والجرائم الإلكترونية والحد من الحياة الاجتماعية؛ ولكن يبقى الضوء الذي تخرج منه التكنولوجيا في أيدينا ونحن نتحكم بما نريده.
المؤثرون و “الهاشتاغات“
لقد أصبحت التعازي والتهنئة بالأفراح تجريعبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتعبير عن المشاعر والآراء أصبح بالكتابة والصور وتبادل المحادثات بل وحتى بفيديوهات البث المباشر والإعجاب بمنشورات الآخرين وإعادة نشرها، ما اسهم في ظهور مؤثرين ونشطاء اجتماعيين وخلق كثيرا من المواضيع وانتشار “الهاشتاغات“ والفعاليات التي يجري تغطيتها إلكترونياً بل وتعدّى ذلك إلى وجود علم تخصيص الكلمات المفتاحية، وأصبح التعامل مع الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي يعكس مدى الخبرة والاحترافية، فكلما ألممت بجزئياتها واستعملتها في التسويق الشخصي لنفسك كلما كنت أقرب أيضا للنظر في مستقبلك المهني من قبل كثير من الشركات والمستثمرين.
والتطور على مستوى التعليم الذي اسهم فيهالتغير التكنولوجي بخلق المنصّات التعليمية الإلكترونية وفرص التبادل الثقافي عبر أبواب الإنترنت المفتوحة، اثر في عديد الثقافات، فضلا عن توفيره العمل عبر الدراسة عن بعد والتقدم للمنح والفرص التطوعية في الخارج، وكذلكإيجاد طرق جديدة في التعليم كالمواقع والتطبيقات التي تقدّم الدورات الإلكترونية المجانية والمدفوعة، وكثير من مقاطع الفيديو التي بإمكانها أن تعلّمك الكثير وأنت في مكانك، فأصبح الشخص الواعي بإمكانه استغلال الإنترنت لصالحه في تعلّم الكثير بدل أن يترك له انعكاسا سلبيا على حياته كما يحذر منه.