حلبجة جرح لا يندمل

شيركو حبيب

في صباح جميل من أجواء الربيع في مدينة كردستانية عراقية، في السادس عشر من شهر اذار مارس ١٩٨٨ كانت تحضر نفسها و تكتسي بالأوان الطبيعة الربيعة الجملية من ورود و أزهار، حيث جمالها و روائحها تفوق الجمال اليوناني و العطور الفرنسية، كانت حلبجة على موعد مع عيد السلام و الحب، عيد نوروز، الذي يحتفل به الشعب الكردي سنويا في 21 آذار مارس من كل عام.
رغم الاحتفاليات لم تكن بحرية مثل أيامنا هذا، إلا أن حلبجة و سكانها من الكبار و فرحة الأطفال على موعد مع هذا العيد، ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان، ففي الساعة الحادية عشرة وخمس دقائق من ذلك النهار تحولت رائحة الأزهار والورد البرية ذات العطر الطبيعي إلى غازات كيمياوية سامة، قام النظام العراقي آنذاك بقصف هذه المدينة الجميلة بالغازات الكيمياوية المحرمة دوليا، على مواطنيه و راح ضحيته خمسة آلاف إنسان لا ذنب لهم سوى أنهم من القومية الكردية.

وحتى الآن ظلت الآثار الجانبية باقية، فهذا هو الحادث الثاني في العالم الذي تتعاظم خسائره البشرية بعد هيروشيما، مع الفارق أن حلبجة قصفت من قبل سلطات الدولة التي تنتمي المدينة إليها، وخلال تلك الفترة تم تبادل الاتهامات بين حكومتي العراق و إيران حول المسؤولية عن قصف تلك المدينة، ولكن التقارير أثبتت أن السلطات العراقية قامت بهذه العملية النكراء، وأثبتت التقارير السرية البريطانية ذلك باعتراف طارق عزيز رجل صدام حسين الأول.

رغم ما جرى لحلبجة وقف العالم المدعي دفاعه عن الديمقراطية موقف المتفرج، فقط بيانات الإدانة و والتعاطف مع الضحايا دون أي إجراء يواجه جريمة الفاعل، وحتى يومنا هذا تعاني حلبجة من هذه الجريمة النكراء، فلم يتم تعويض الضحايا رغم أن التعويض شي مادي ليس إلا، وكان على الحكومة العراقية أو بالأحرى البرلمان العراقي جعل هذه المدينة محافظة وهذا أبسط دعم معنوي لها، فحلبجة ليست قصة أو موضوع عراقي بل عالمي، وكان على الدول العظمى ودعاة السلام و الديمقراطية معاقبة نظام العراق آنذاك والشركات التي زودت العراق بهذه المواد السامة.

حلبجة جرح لا يندمل وستبقى وصمة عار على كل من يدعي حقوق الإنسان و الديمقراطية و لم يتحرك، فجريمة حلبجة ارتكبت ضد أفراد لا حول لهم ولا قوى، ضد أناس مدنيين أبرياء عزل من السلاح، فاصبحت هوية شعب لا أصدقاء له سوى الجبال.
إن جرائم الإبادة الجماعية معلومة العقوبات في القوانين الدولية التي لا تفعل إلا بهوى حكام الكوكب، وكم من ازدواجية معايير أطاحت بحقوق شعوب في عالم لا يذكر المستضعفين ولا يعتبر وجودهم أو الخلاص منهم قضيته، لتزول قيمة مفهوم المجتمع الدولي ومنظماته وهيئاته بمرور الزمن، لكن الذاكرة لا يمحى منها جريمة أو ذنب.

قد يعجبك ايضا