د. توفيق رفيق التونچي
اليوم يمر ذكرى قصف مدينة حلبچة في السادس عشر من آذار من عام ١٩٨٨ وكي لا ننسى تلك المآسي التي حلت بالشعب الكوردستاني نتيجة هيمنة الفكر القومي السلبي على السلطة في العراق وكي تبقى ذكراها حية في الذاكرة الجماعية الإنسانية.
نعود إلى صفحات التاريخ وكما وصلتنا من أخبار عن الجرائم ضد الإنسانية (البشرية) منه ما هو صحيح ومنه خيال واختراع عقول مريضة. لكن هناك محطات عديدة تجدر بنا التوقف عندها وتحليل نتائجها وكلها مرتبطة بأفعال اجرامية جماعية يقوم بها البشر جراء الانتماء إلى القطيع ومسايرة الحاكم. بين فترة وأخرى يتم اكتشاف آثار مدن وشعوب وحضارات بشرية تؤدي إلى اعادة كتابة التاريخ. المرويات التاريخية بصورة عامة حتى الموثوق بها تعتبر إخبارا رمزية وادعاء لم يتم التحقق من صحتها. حتى المنقوش على الحجر والمرسوم والمنحوت تعتبر مضلله لان الفاعل والكاتب خطها بأمر الحاكم ونرى آثار ذلك جليا في آثار حضارة مصر القديمة في محو أسماء الملوك وطمس معالم انجازاتهم. لكن البشرية اليوم تتمكن من توثيق كل شيء ورغم ذلك يمكن تزيف تلك الحقائق عن طريق ما يسمى ب “نظرية المؤامرة ” المعروفة والتي تشكك في كل حدث.
الديمقراطية كما ذكرها عميد السياسة البريطانية تشرشل يراها نقمة للشرق وذلك لان الشرق فكريا توقف بسقف معرفي يعود إلى اكثر من دهر ونيف ولم يتعدى ذلك السقف ومن المرويات التاريخية والكثير منها الفت ومجرد خيال ولا علاقة بتلك الحوادث بمجريات التاريخ الحقيقيةً. ولان القطيع ينتخب ما يراه يتماشى مع فكره المحدود فتراه ينتخب بجنون حتى اذا كان السياسي المنتخب يطالب بقت كل البشرية قاطبة.
وقد يكتشف باحث ان ما ذكر في كتب التاريخ كان من مصدر مزيف وأعتمد ذلك الكتاب كمصدر حتىً من قبل الباحثين وفي كتب ومصادر موثوقة*. وكنت قد أشرت إلى شغف الكاتب الشرقي بصورة عامة إلى الإشارة للمصادر التي كتبها الكتاب الغربيون حول شعوبهم دون ان يتمكنوا من تحليل علمي وتاريخي لتلك المصادر. يمكن معرفة ان كل من تخطى او حاول تخطي ذلك السقف المعرفي عن طريق تفعيل العقل قد جرم وقتل بصورة او بأخرى وببشاعة وصفق القطيع للقتلة وهذا يتكرر حتى يومنا هذا ٢٠٢٥ ميلادية . مما أدى ذلك إلى تغيب العقل ونشر التفاسير البشرية في المعرفة والعلوم وتفعيل تلكً النظرية أمام كل جديد واعتباره بدعة. ولا ريب إذا رجعنا مرة أخرى إلى كتب التاريخ نجد حتى دول تعتبر نفسها اليوم متحضرة كانت تقتل علمائها حتى في الغرب إبان سطوة رجال الكنيسة وقبلها عند الإغريق وحادثة تسميم أرسطو موثقة تاريخيا.
فكرة نشر الشعور والفعل الجنائي بين مجموعة بشرية اي بين الجماعة قديمة جدا استخدمها القريش في محاولة الفاشلة باغتيال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إبان بداية البعثة النبوية. واستخدم في فرق الإعدامات العسكرية الجماعية عن طريق فرق الإعدامات واستخدمها حزب البعث الفاشي في العراق حتى في إعدام أعضاء الحزب عن طريق رفاقهم وبذلك ينتشر الفعل ، القتل الإجرامي بين الجماعةً دون وجود قاتل واحد. لكن ربما يسأل أحدهم محقا :
ما هو إمكانية رفض قرار جائر دون تعريض النفس لعقوبة الموت؟
كذلك رفض الأوامر العسكرية في الحروب جريمة يعاقب عليها بالموت حتى لو كانت تلك الأوامر يؤدي إلى القتل الجماعي كما حصل في مدينتين في اليابان وهما هيروشيما وناگازاكي ، ** حتى أوامر بقصف مدينة حلبچه وقرى برزان بالقنابل الكيماوية والغاز والمحرمة دوليا والأنفال ودفن البشر أحياء في المقابر الجماعية المنتشرة في العراق . وكلها أفعال جماعة كانوا مدركين نتائج فعلهم الإجرامي وهم ينفذون امر الحاكم او القائد العسكري. لكن القطيع يأخذ بادرة القتل على أسس واهية وغير موثوقة عنً طريق المحاكم المختصة وأدانه فعلية للضحايا وهذا ما فعله البعث في العراق عن طريق كلابهم الشرسة وما سمو بالحرس القومي ومن ثم الجيش الشعبي وقوات الخفيفة من ميلشيات إجرامية خارجة عن القانون. يتكرر ذلك مع كل انقلاب عسكري في دول الشرق الحزينة وأصبح سلوكا في وجود تلك الميلشيات في العديد من دول المنطقة لحد يومنا هذا. لا ريب ان ما حصل في الأيام العصيبة بعد انقلاب العسكري في ١٤ من تموز عام ١٩٥٨ في الجنون الجماعي للناس وقتل رجال الحكم الملكي ومن ثم حوادث مدينتي موصل و كركوك وجنون القطيع بحمل الحبال لإعدام الناس وسحلهم في الشوارع ثم جرائم الحرس القومي بعد انقلاب 1963 وانقلاب 1968 ، حوادث مأساوية ونتائجها لا تزال في الذاكرة الجماعية للشعب العراقي .الاعتزاز والفخر بالقوم شعور أنساني جميل وحق لجميع الشعوب ولكن ليس على حساب الأقوام الآخرين وتفضيل قوم على اخر الى درجة إظهار عوراتهم ومساوئهم وتهميشهم الى درجة كرههم وامحاء وجودهم. هذا ما حصل دوما حين ساد الفصل العنصري القومي بين القطيع الذين ينساقون كالعميان وراء قائد مجنون.
اليوم ونحن ننتقل إلى مجتمع سلمي على الأقل في ربوع اقليم كوردستان نتذكر بإجلال واحترام أبنائنا اللذين ضحوا بأرواحهم من اجل كوردستان وإعلاء صوت الحق والضمير
السويد، ٢٠٢٥
إشارات:
*راجع كتاب کردلر: تاریخی وإجتماعی تدقیقات (الکرد: دراسة تاریخیة وإجتماعیة ( ، ١٩١٨، إستانبول. الذي جاء على غلافه بأن مؤلفە الدکتور فریچ وهو مستشرق ألماني من (الأکادیمیة الشرقیة ببرلین) والكتاب مترجم إلی الترکیة العثمانیة بالحروف الأبجدية طبع ونشر: مكتبة سودن، شارع الباب العالي. سلسة منشورات المدیریة العامة للعشائر والمهاجرین التابعة لوازرة الداخلیة العثمانية، حيث حمل الکتاب رقم (٣) ضمن سلسلة إصدارات المدیریة. الكتاب محفوظ في مكتبة مجلس الشعب العالي التركي ، تحت رقم: 1334 وتحت برمز 118 HH . أعيد نشر الکتاب مرة أخری، لكن بالترکیة الحدیثة بالأحرف ألاتينية عام ٢٠١٤”. الكتاب رغم اعتباره مزورا ولكنه استخدم كمصدر موثوق من قبل العديد من الكتاب في سرد تاريخ الكورد.
. **هيروشيما وناگازاكي مدينتين في اليابان تم قصفهما من قبل الولايات المتحدة الامريكية بقنابل نووية أدى إلى قتل اكثرمن ربع مليون إنسان وتضرر الطبيعة والبيئة الحيوانية والنباتية والمائية ولا تزال تأثيرها باق لحد يومنا هذا.