مصطفى بارزاني رمز أمة وعنوان نهضتها

شيركو حبيب

ليس من السهل الحديث عن القادة العظام الذين كرسوا جل حياتهم من أجل خدمة وطنهم و شعبهم و بناء مجتمع ديمقراطي مدني، فالشعوب تفتخر بقادتها الذين دخلوا التاريخ من أوسع أبوابه، والشعب الكردي كسائر الشعوب الأخرى يفتخر بقائد وهبه الله له وهو ملا مصطفى بارزاني.
ولد بارزاني في الرابع عشر من آذار مارس 1903، في منطقة أصبحت مركزا للنضال و الفداء من أجل الديمقراطية و السلام و التآخي ، من عائلة دينية وطنية، ومنذ أكثر من قرن دافعوا عن حقوق الإنسان والرفق بالحيوانات و حماية البيئة، ففي بارزان نهج خاص يعرف بنهج بارزان، وليس هذا محصورا في بارزان وحدها، إنما لدى كل من التزم به، فالإيمان بالله سبحانه و تعالى وعدم الخضوع إلا لله وحده، والعيش المشترك بين كافة الأديان و الأقوام، و المرأة التي لها مكانة خاصة، أركان ثقافة هؤلاء، يرفضون قطع الأشجار و قتل الحيوانات ويعاقبون كل فاعل لذلك، فالمبادئ الأساسية لهم هي التقوى والوطنية والإنسانية والسلام.
طبق البارزانيون نظام الإصلاح الزراعي وملكية الأراضي وحماية البيئة وحقوق المرأة، والإصلاحات التشريعية التي تضمن العدالة والمساواة أرساها البارزانيون، ما جعل العديد من العشائر تنضم لهم.
ترعرع ملا مصطفى بارزاني في هذه البيئة، فتعلم منذ صباه هذه المبادئ القيمة، و عاني من بطش الحكومة العثمانية منذ صغره ولم يتجاوز الثالثة، وسجن مع والدته في السجون العثمانية بالموصل، و استشهد شقيقه الأكبر المرحوم شيخ عبدالسلام بارزاني على أيدي قوات الدولة العثمانية لعدم الرضوخ لأوامرهم التعسفية.
كرس بارزاني حياته لأجل المبادئ السامية التي تؤكد على الأخوة و التسامح و العيش المشترك، و بناء دولة ديمقراطية مدنية، لذلك نراه عند تأسيسه للحزب الديمقراطي الكردستاني قد رفع شعار “الديمقراطية للعراق”، لإيمانه بأن دولة ديمقراطية هي الضامن لحقوق جميع مكوناتها، فدافع بارزاني عن حقوق جميع مكونات العراق و الشعوب الأخرى.
عاش بارزاني مناصرا للقضية الفلسطينية ولايزال حزبه على نفس النهج مؤيدا حق الشعب الفلسطيني في بناء دولته و عاصمتها القدس الشريف، وضد أي تهجير قسري لأبناء فلسطين كما ترفضه مصر حكومة وشعبا، والكورد يحترمون قرارات السلطة الفلسطينية.
بارزاني عاش مساندا لمصر إبان العدوان الثلاثي عام 1956 حيث طلب من الجهات الروسية عمل شئ ما أو السماح له بالذهاب إلى هناك، و خلال لقائه مع عدد من الصحفيين المصرين في أواسط الستينات قال بارزاني لمراسل صحيفة الأخبار في 29 أكتوبر 1966 “لم أبك في حياتي ولم تعرف عيناي الدموع، ولكن عندما وقع العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وجاءت أخباره إلى موسكو وكنت وقتها لاجئا هناك، فجأة دون إرادتي انهمرت الدموع من عيني ولم أستطع منعها، وكانت هي المرة الأولى و الوحيدة حتى الآن ، وذهبت إلى المسؤولين في موسكو وطلبت منهم أن يفعلوا أي شئ لمنع استمرار العدوان وطلبت أن يرسلوني إلى مصر لأساهم في الدفاع عن بلد شقيق تعرض للعدوان، فنحن أخوة و القومية الكردية هي شقيقة القومية العربية طوال التاريخ”.
هكذا كان بارزاني عاش مرفوع الرأس مدافعا عن الديمقراطية و العيش المشترك، و توفى وقد ترك لنا تراثا نسير عليه لمواصلة المشوار، اليوم بقيادة وتوجهات الزعيم مسعود بارزاني، لإيصال الشعب إلى شاطئ الأمان و بناء دولة فيدرالية اتحادية ضامنا لحقوق كافة مكوناتها، وهكذا عرف العالم الشعب الكردي من خلال البارزاني.

قد يعجبك ايضا