محمد هادي لطيف
لحظةً. وأرى وجهها عالقًا في زجاج نافذتي، حيث ينكسرُ الضوء وتذوب الكلمات ومن دونما همسة، وبصمت العاشقين، سوف ترفع يديها سوف تمدُّ أصابعها وتلمس بنصرٍ نزوعوا خاتم الحب عنه، فموضعه أبيض كندبة قديمة، وتبتسم لي.. هكذا، لمحة، ثم تغيب. هيَ تعرفُ أنَّ الفجرَ سيتأخرُ مثل الندى العالقِ على شفاهَ الضباب مثلَ قنينة عطرٍ علاها الغبار، هي تدري أنّ الدِفءَ بعيدٌ عن غرفتها فتُلملِمُ في تلكَ الغرفةِ مطرَ الخوفِ وتبحثُ في وسادتها عن رجلٍ مكسورٍ مثلَ الزجاج، كان في الزمنِ النذلِ، يموتُ من الحُبَّ عليها ويعود ليحيا ثُمَّ يموت. هي تعرفُ أن أصابعَ الوقتِ تعدُّ جفافَ المساماتِ فيها، تلك المسامات التي كانت ضوءًا عذبًا كالماء، ثم صارَتْ موتًا خامدًا في صمتٍ لا رائحة له. هي، تريدُ أن تَشُمَّ رائحة واحدة من الموت وليس أكثرَ، نصفَ غرامٍ من الضوء، وهذا يكفيها لنصفِ عامٍ من النحيبِ في نصفِ سريرٍ مطفأٍ، من الخذلانِ، واليابسِ كالنخلِ في “الدورة الشهرية” الماضية. تمدُّ يدها إلى ظلالِ شجرةٍ بعيدة، لا تفتحُ إلا إذا خانها النسيان، يافطاتُ النخلِ هناك، منذُ الدورةِ الشهريةِ الماضية، لم تعد تُشيرُ إلى شيء، تتدلَّى كخيوطِ عنكبوتٍ، ملفوفةٍ برائحةِ الغبارِ وآهاتِ العابرين، هي التي تكرهُ أن تُنسى غدًا، حتى ولو ليومٍ واحدٍ، لا تدري لماذا، لكن لا يحنُّ إليها الآن سواي ولا يتذكرها أحدٌ سواي.