اتفاق هش ومجزرة دامية.. هل يعاد رسم المشهد السوري؟

جليل إبراهيم المندلاوي

شهد الساحل السوري خلال الأيام الماضية تصعيدا دمويا خطيرا، تمثل في موجة عنف تخللتها عمليات قتل وتهجير وفوضى طالت المناطق ذات الغالبية العلوية، بذريعة هجمات استهدفت قوات حكومة الشرع، ما أسفر عن سقوط آلاف الضحايا من المدنيين بين قتيل وجريح، وقد كشفت الوقائع أن العناصر المتورطة تنتمي إلى فصائل تدعمها تركيا، رغم أنها تعمل تحت مظلة “الجيش السوري الجديد”، وفي ظل هذه التطورات، جاء الاتفاق المفاجئ بين حكومة الشرع ومظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية، ليطرح تساؤلات حول تداعياته على مستقبل سوريا، ومدى قدرته على إنهاء الصراع أو تأجيجه من جديد.

لم تكن الأحداث الأخيرة في الساحل السوري مجرد اشتباكات عابرة، بل حملت دلالات سياسية وأمنية عميقة. فمن جهة، كشفت عن هشاشة سلطة حكومة الشرع، ومن جهة أخرى، سلطت الضوء على الأدوار الإقليمية المتداخلة، خصوصا مع وجود فصائل مدعومة من أنقرة تسهم في زعزعة الاستقرار، إن استمرار هذه الفوضى قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة، أبرزها تصاعد التوتر الطائفي، ما قد يُعيد البلاد إلى دوامة حرب مفتوحة.

أمام هذا المشهد المعقد، يجد أحمد الشرع نفسه في موقف صعب. فهو مطالب باستعادة الاستقرار في الساحل، وطمأنة النازحين العلويين، والقضاء على الفصائل المسلحة التي تهدد أمن المنطقة، إلا أن “الجيش السوري الجديد” يبدو غير قادر على مواجهة “فرقة السلطان سليمان شاه” و”فرقة الحمزة”، ما يجعل التدخل التركي أحد الخيارات المطروحة. لكن السؤال الأهم: هل ستتجاوب أنقرة مع هذه المطالب، أم أنها ستستخدم الفوضى كورقة ضغط لتعزيز نفوذها في سوريا؟

وسط هذه التعقيدات، جاء الاتفاق بين أحمد الشرع ومظلوم عبدي ليعيد رسم معادلة القوة في سوريا، فالوثيقة التي تم توقيعها في 10 مارس 2025 تضمنت بنودا جوهرية، أبرزها الاعتراف بحقوق الكورد، ودمج قوات سوريا الديمقراطية في مؤسسات الدولة، وضمان عودة المهجّرين، ومواجهة “فلول الأسد”، هذه البنود تعكس تحولا كبيرا في العلاقة بين دمشق والقوى الكوردية، ما يعني أن سوريا قد تكون مقبلة على مرحلة جديدة من الحكم المشترك، لكن في الوقت ذاته، تثير هذه الخطوة قلقا واسعا لدى القوى الإقليمية والدولية.

يؤسس الاتفاق لشراكة بين أكبر قوتين عسكريتين في سوريا، حيث يمنح الكورد تمثيلا سياسيا واضحا في الدولة السورية، لكنه في المقابل يهدد مصالح قوى إقليمية ودولية، وعلى رأسها تركيا، التي ترى في هذا التقارب تقويضا لنفوذها، فبالنسبة لأنقرة، أي اتفاق بين حكومة الشرع وقوات سوريا الديمقراطية يشكل تهديدا استراتيجيا، ولذلك قد تلجأ إلى تصعيد الضغط العسكري على مناطق الشمال السوري، أو استخدام الفصائل الموالية لها لإفشال الاتفاق.
أما الموقف الروسي، فيظل غامضا، فمن جهة، قد ترحب موسكو بأي خطوة تُضعف النفوذ التركي، لكن في الوقت ذاته، قد تفضل الإبقاء على ميزان القوى كما هو دون تغييرات جذرية.
ولا يمكن فصل التطورات في سوريا عن المشهد العراقي، خاصة أن بغداد تواجه تحديات أمنية مماثلة تتعلق بالإرهاب والتدخلات الإقليمية، فأي تصعيد جديد في سوريا قد ينعكس سلبا على العراق، سواء من خلال تدفق اللاجئين أو تصاعد النشاط المسلح على حدوده، لذا فإن مصلحة الحكومة العراقية تقتضي الحفاظ على موقف متوازن، لتجنب التورط في صراعات لا تصب في صالحها.
ومع استمرار التوترات، يمكن توقع عدة سيناريوهات لمستقبل المشهد السوري؛ السيناريو الأول وهو الأضعف، يتمثل في تمكن الشرع وعبدي من تنفيذ بنود الاتفاق، مما يعزز وحدة الدولة السورية، ويؤدي إلى احتواء الفصائل المسلحة وإعادة النازحين. لكن تحقيق هذا السيناريو يتطلب دعما دوليا وإقليميا، وهو أمر غير مضمون في ظل التوترات القائمة.
أما في السيناريو الثاني فقد تلجأ أنقرة إلى دعم الفصائل الموالية لها لتوسيع رقعة الاشتباكات، مما يؤدي إلى تجدد الصراع المسلح، خاصة في الشمال السوري وربما في الساحل أيضا، وقد تسعى موسكو للعب دور الوسيط بين الأطراف المختلفة، لضمان عدم خروج الأوضاع عن السيطرة، مع الحفاظ على نفوذها في دمشق، لكن ذلك يعتمد على مدى استعدادها للضغط على أنقرة أو دعم حكومة الشرع في مواجهة الفصائل الموالية لتركيا.

اتفاق دمشق بين الشرع وعبدي يمثل نقطة تحول في المشهد السوري، لكنه يفتح الباب أمام العديد من التحديات، سواء الداخلية أو الخارجية، ومع استمرار التوترات في الساحل السوري، سيظل نجاح الاتفاق مرهونا بقدرة الأطراف المعنية على تنفيذ بنوده، دون تدخلات خارجية تُعرقل مساره، وستكشف الأيام القادمة إن كان هذا التحالف هو بداية لحل سياسي حقيقي، أم مجرد هدنة مؤقتة تسبق موجة جديدة من الصراعات في سوريا والمنطقة، فإذا نجح، فقد يكون خطوة نحو إنهاء الحرب وإعادة بناء سوريا. أما إذا فشل، فقد يؤدي إلى تصعيد جديد يفاقم الأزمة، وبينما يراقب العراق والمنطقة هذه التطورات عن كثب، يبقى السؤال مفتوحًا: هل يمهد هذا الاتفاق لحقبة جديدة من الاستقرار، أم أنه مجرد محطة في طريق صراع أكثر تعقيدًا؟

قد يعجبك ايضا