د.سعد الهموندي
البارزاني المرجع والملجأ هو عنوان كتاب بقلم الدكتور سعد الهموندي مستشار الرئيس مسعود بارزاني و رئيس مؤسسة رؤى للتوثيق والدراسات الأستراتيجية والمستقبلية، الذي يتضمن محطات مهمة من شخصية الرئيس مسعود بارزاني ومواقفه وبعض الأحداث، التي جعلت منه مرجعًا سياسيًا يستشار ويأخذ بتوجيهاته ونصائحه عند حدوث الأزمات والأنسدادات السياسية ، وملجأ لجميع العراقيين اثناء المحن والظروف الصعبة، لذلك نسعى من خلال نشر اجزاء الكتاب ان نلقي الضوء على خصوصياته الأخلاقية ومواقفه ازاء خصومه و صبره وحنكته وذكائه في التعامل مع المواقف الصعبة التي واجهته سواء اثناء ايام الكفاح المسلح او عند النزول من الجبل لينشأ اقليمًا عامرًا زاهرًا ليصبح رقمًا صعبًا في المعادلات السياسية والتوازنات في العراق والمنطقة.
الحلقة الثالثة عشر
فالقانون يجب أن يطبق على الجميع بغض النظر عن الانتماءات الدينية والسياسية والجغرافية، وإتاحة المجال للفرد للجوء إلى المحاكم دون تكليفه أعباء تفوق طاقته، كما يتم تطبيق الأحكام الصادرة عن المحاكم بحزم ودون استثناءات.
وفي حالة غياب أحد هذه الأساسيات في الدولة فإنه سيظهر الأثر واضحًا على السلام المجتمعي.
فكثير من الدول تتعرض لحالات من الاضطرابات وأعمال العنف، تحدث نتيجة فساد أنظمة الحكم في الدول التي تغيب فيها الديمقراطية، فالحكم الرشيد يعني وجود نظام حكم يقوم على المحاسبة ومكافحة الفساد، وذلك من خلال مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والصحافة.
وهذه السياسة تقود بالضرورة إلى تمكين الأفراد ورفع مستوى وعيهم وقدراهم، وتوفير الخدمات التعليمية والثقافية والصحية وفرص العمل، وتشجيعهم على المشاركة في العمل العام.
وهنا إذا أردنا أن نتكلم عن السياسة ذات المنحى الذي يقدم اللجوء والحماية للأخرين علينا أن نعرف الأسباب التي قد يتعرض لها الأشخاص أو المكونات ليتركوا بيوتهم ومدنهم ويلجأوا إلى مكان آخر.
فاللجوء السياسي ما يزال من أكثر المواضيع التي تثير اهتمام الدول، نظرًا للعلاقة التي تربط اللجوء بالأمن الداخلي لدولة الملجأ،ودوره في زعزعة العلاقات بين الدول.
وقد ازدادت في الآونة الأخيرة أعداد طالبي اللجوء السياسي، لاسيما من الدول العربية، نتيجة للثورات وأعمال العنف التي وقعت، وما رافق هذه الأعمال من انهيار للأنظمة السياسية التي كانت قائمة، وفرار الزعماء والمسؤولين إلى دول أخرى تفاديًا لإلقاء القبض عليهم ومحاكمتهم عن الأفعال والجرائم التي ارتكبوها في أثناء وجودهم في السلطة.
ويرتبط الحديث عن اللجوء السياسي، ارتباطًا وثيقًا بالنظام السياسي للدولة، سواء دولة اللاجئ، أو الدولة مانحة اللجوء.
ففي الدول ذات الأنظمة الديكتاتورية، حيث تُكبت الحريات وتغيب الحقوق السياسية فيها، ويجرّم الحديث بشأنها، ويجري التمييز بين المواطنين على أساس العنصرية، أو القومية، أو الدين،ترتفع وتيرة اللجوء السياسي فيها بحيث يفرّ مواطنوها إلى البلدان التي يرون أنها يمكن أن توفر لهم الملاذ الآمن من البطش والاضطهاد.
ويبقى لهذه الدول الحق في أن تقرر منح اللجوء السياسي لطالبه، وفي حال تم منح اللجوء يتمتع اللاجئ ببعض الحقوق التي توفر له الحماية والعيش الكريم، لكنه بالمقابل يكون مُلزمًا التقيد بقوانين دولة اللجوء وفقًا لما يقتضيه أمنها القومي وسلامة نظامها الداخلي.
وهنا يُعتبر التعرف إلى حقيقة المقصود باللاجئ السياسي من أصعب المسائل في نظر القانون الدولي، ولا يُخفى ما لهذا التحديد من أهمية بالنسبة له؛ إذ كثيرًا ما يتوقف عليه مصيره؛ ذلك أن عدم اعتباره لاجئًا في نظر سلطات الدولة التي لجأ إليها قد يؤدي في بعض الحالات إلى وقوعه في أيدي سلطات الدولة التي تطارده، أو تضطده، وقد تقوم هذه الأخيرة بإعدامه، أو تعذيبه.
ولا جدل في أن اللاجئ السياسي يجب أن يكون أجنبيًا بالنسبة لدولة الملجأ، كما يشترط أن تتوافر فيه شروط خاصة تميزه عن الأجانب العاديين (سائحون، زائرون).
فتحديد اللاجئ السياسي مسألة بالغة التعقيد والصعوبة، ويرجع السبب في ذلك إلى عدم وجود تعريف خاص باللاجئ السياسي في القانون الدولي، وعدم اتفاق الدول والسياسة الدولية على تعريف واحد في هذا الشأن.
فاتفاقية اللاجئين لعام 1951 أعطت تعريفًا عامًا للاجئ، ولم تميز بين اللاجئ السياسي وغيره من اللاجئين.
فالمادة 1فقرة 2 من هذه الاتفاقية نصت على أن اللاجئ هو كل من وجد نتيجة لأحداث وقعت قبل الأول من كانون الثاني/ يناير1951، وبسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه، أو دينه، أو جنسيته، أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة، أو بسبب آرائه السياسية، خارج البلاد التي يحمل جنسيتها، ولا يستطيع، أو لا يرغب في حماية ذلك البلد.
وجاء بروتوكول 1967 ليلغي القيد الزمني فبات اللاجئ هو أي شخص يدخل ضمن تعريف اللاجئ في المادة الأولى من اتفاقية اللاجئين لعام 1951 بعد حذف عبارة نتيجة لأحداث وقعت قبل أول كانون الثاني/ يناير 1951.
أما بالنسبة إلى فقهاء القانون الدولي، فإنهم لم يتفقوا على تعريف للاجئ السياسي،
ففي رأي ألونا ايفانس Alona Evans اللاجئ السياسي، هو الذي هرب من دولته بسبب الاضطهاد المبني على أسباب سياسية، أو عرقية، أو دينية، أو بسبب عدم رضائه عن الأوضاع القائمة في دولة لا تسمح بقيام معارضة فيها، أو لاشتراكه في عملية فاشلة لقلب نظام الحكم، أو الدفاع عنه ضد انقلاب أطاح به.
ويقول غودون غيل Guys Goodwin- Gill إن اللاجئ السياسي هو الذي يُلاحق من قبل حكومة دولته بسبب أفكاره (أفكارها) السياسية التي تشكل تهديدًا حقيقيًا لتلك الحكومة.
واللاجئ السياسي في نظر غرال مادسن Grahl- Madsen هو الشخص الذي نتيجة لأحداث سياسية على قدر من الجسامة وقعت في دولته الأصلية أدت الى انفصام العلاقة بينه وبين دولته، أو إذا كان موجودًا في خارج تلك الدولة، لا يستطيع أو لا يرغب بسبب تلك الأحداث في العودة إليها.
وعّرفت بعض القوانين الداخلية اللاجئ السياسي كالمادة 26 من قانون الدخول إلى لبنان والإقامة فيه والخروج منه لعام 1962 بقولها (كل أجنبي موضوع ملاحقة، أو محكوم عليه بجرم سياسي من سلطة غير لبنانية، أو مهددة حياته لأسباب سياسية، يمكنه أن يطلب منحه حق اللجوء السياسي).
وبدورنا نعرّف اللاجئ السياسي بأنه شخص موجود خارج إقليم دولته، ومُلاحق من قبل حكومته لارتكابه جرماً سياسيًا، أو لاصطفافه في طابور المعارضة السياسية، أو لديه خوف من التعرض للاضطهاد بسبب آرائه السياسية.
وهذه الأسباب (الجريمة السياسية، المعارضة السياسية، الاضطهاد السياسي) تشكل العناوين الأساسية التي تقف وراء طلب اللجوء السياسي.
من هنا وعلى خلاف المجتمعات المستضيفة الأخرى حول العالم، والتي تفرض قيودًا شديدة على اللجوء أو تأمين وظائف للاجئين نرى أن قوانين اللجوء في أربيل مختلفة، وهي القوانين التي أرادها مسعود البارزاني متوافقة ومتماشية مع الإنسانية بالدرجة الأولى.
فعلى سبيل المثال يتمتع السوريون المقيمون في أربيل ومناطق أخرى من إقليم كردستان العراق، بحرية العمل شرط أن تتوافر فيهم المؤهلات المعترف بها عند الاقتضاء.
فإقليم كُردستان استضاف العدد الأكبر من اللاجئين السوريين والذين بلغ عددهم المليون ونصف تقريبًا، ونصف هذا العدد تقريبًا اتجه إلى محافظة أربيل، فهذه العاصمة تعمل كمحور اقتصادي في المنطقة.
وغالبًا ما يتواجد رؤساء البلديات والسلطات المحلية والمؤسسات الاجتماعية ومجموعات المواطنين في الخطوط الأمامية للاستجابة الشاملة للاجئين وهم يعززون التماسك الاجتماعي وحماية ومساعدة الرجال والنساء والأطفال النازحين قسرًا.
فأربيل اعتُبرت جزءًا من شبكة عالمية متنامية من المدن التي تختار احتضان اللاجئين والإمكانيات التي يأتون بها.
أما الجانب الثاني الذي عملت عليه السياسة البارزانية، هو جانب الداخل العراقي، فجعلت إقليم كُردستان المكان الآمن والطبيعي للعراقيين، فاستقبلت أكثر من 600 ألف عراقي متهمين من قبل الحكومة المركزية باتهامات عنصرية وطائفية.
وميزت السياسة في أربيل بين جميع أنواع وأشكال اللجوء، فهناك اللاجئ لجريمة سياسية لم يقترفها، وهناك الهارب أو الفار من العدالة، وهذابالتحديد ما جعل إقليم كُردستان يظهر كدولة مع العدالة الاجتماعية والسياسية والأخلاقية.
وفيما يلي سنتناول الفروع التي استطاعت حكومة مسعود البارزاني تشكيلها لفصل اللاجئ السياسي المضُطهد عن الفار من وجه العدالة:
الجريمة السياسية في قانون كُردستان:
حددت حكومة إقليم كُردستان الجريمة السياسية إلى أمرين أساسيين:
الأول يتمثل في الطابع النسبي للجريمة، أي بمعنى اختلاف النظرة إلى الفعل المكّون للجريمة من دولة إلى أخرى، وحتى ضمن الدولة ذاتها من عصر إلى عصر آخر، أو حتى في نفس العصر.
فمحاولة قلب نظام الحكم يعتبر عملًا إجراميًا في حال فشله،
ويغدو عملًا بطوليًا عند نجاحه، لكن في حال ارتكاب أعمال شغب أو قتل أو نهب فلا يعتبر الشخص على أرض كُردستان لاجئًا، بل يعامل بحسب الجرم الذي اقترفه.
أما الأمر الثاني فيتجلى في اختلاط الجريمة السياسي بغيرها من الظواهر الإجرامية الحديثة، إذ إنه من النادر ما توجد جريمة سياسية خالصة.
وهذه الأخيرة تعني أي عمل يوجه ضد الدولة ولا يحتوي على أي من عناصر الجريمة العادية، مثل إثارة الفتنة، الخيانة، التجسس، بل الغالب هو أن تكون الجريمة السياسية مختلطة أو مرتبطة.
فالجريمة المختلطة يقع الاعتداء فيها على حق فردي ولكن بدافع سياسي؛ ومن أمثلتها اغتيال رئيس الحكومة بقصد إسقاطها أو تغييرها.
أما الجريمة المرتبطة، فالأعتداء يقع على حق غير سياسي وذلك من خلال اقتراف جرائم سياسية، ويرتبط بهذه الجرائم السياسية ارتباطًا مباشرًا.
فالجريمة توصف بأنها سياسية لأحد معيارين:
أولهما موضوعي والثاني شخصي، فوفقًا للمعيار الموضوعي، تعتبر الجريمة سياسية إذا وقع الاعتداء على مصلحة سياسية للدولة، أو على حق سياسي للفرد، بغض النظر عن سبب ارتكاب الجريمة.
وفيما يخص المعيار الشخصي فهو يعوّل على السبب الدافع لارتكاب الجريمة، بالنظر إلى شخصية الفاعل، دون الأخذ بطبيعة الحق المعتدى عليه فيها.
وهكذا تعتبر جريمة سياسية تلك التي ترتكب نتيجة لباعث سياسي، أو من أجل تحقيق غاية سياسية.
أما إذا كان الهدف منها منفعة شخصية فتخرج من نطاق الجريمة السياسية، وهذا ما شهدناه بجميع الشخصيات السياسية أو الشخصيات العراقية العامة التي التجأت إلى أربيل خوفًا من القتل أو التصفية أو لكونها فقط شاركت بالاحتجاجات ضد الحكومة أو ضد الفساد.
يؤخذ على هذا المذهب التوسع من نطاق الجرائم السياسية؛ بحيث يصبح من السهل أن تندرج في نطاقها جميع الجرائم العادية؛ إذ يكفي أن يتذرع الجاني بأنه ارتكب جريمة لغرض سياسي حتى يضفي عليها الطابع السياسي.
فضلًا عن اعتماده على الباعث أو الغاية اللذان لا يعتبران من الأركان المكوّنة للجريمة.
هكذا يتبين مما تقدم، أن أيًا من هذين المعيارين بحسب المعايير السياسية التي وضعها مسعود البارزاني لسياسته حول من يدخل أربيل، يصلح أن يكون معيارًا يُعتمد عليه في تحديد مفهوم الجريمة السياسية.
فهذه الأخيرة ذات طبيعة نسبية، ومرنة، ومتطورة، لذلك فإن تحديد ما يعتبر جريمة سياسية من عدمه، يجب أن يعتمد على ظروف كل حالة على حدة دون الأخذ بمعايير جامدة موضوعة مسبقًا.
المعارضة السياسية:
تعُرف المعارضة السياسية بأنها الأشخاص والجماعات والأحزاب المعادية كليًا أو جزئيًا لسياسة الحكومة.
فالحياة السياسية، عادة، تنقسم بين طرفين أساسيين: أحدهما يكون في السلطة ويُطلق عليه الحكومة، ويواجه هذه الأخيرة في الشق المقابل ما هو خارج إطار السلطة أو الحكومة ويطلق عليه المعارضة.
وتكون المعارضة في إطار حزبي، أو قد تأخذ طابع الجماعة، أو الحركة التي لها أهدافها الخاصة، وتتميز بمناهضتها للنظام السياسي الرسمي المتمثل بالسلطة، فالمعارضة تقف أمام الحكومة موقف الرفض أو الضد.
وعليه، يمكن القول بأن المعارض السياسي هو الشخص الذي تتمزق العلاقة العادية بينه وبين دولته الأصلية أو حكومته بسبب عدم رغبته في الولاء، أو الإخلاص لحكومة يعتبرها غير شرعية أو معادية له.
والسؤال الذي يُطرح هنا؛ ما هي علاقة المعارضة السياسية أو المعارض السياسي باللجوء السياسي؟
قد يحدث أن تستولي على السلطة حكومة جديدة يرفض بعض المواطنين الخضوع لها، ويفضلون مغادرة وطنهم إلى بلد أخر هربًا من الاستبداد وكبت الحريات.
وهذا ما حصل في بغداد ودمشق والقاهرة وبيروت، ووجدنا حينها الكثير من سكان هذه البلاد يتوجهون إلى أربيل للعيش ملاذ آمن، وفي هذه الحالة يجب التمييز بين نوعين من الأفراد:
النوع الأول: وهو النوع الذي يعرف بمحبي الحرية Freedom lovers وهؤلاء هم الأفراد الذين يغادرون وطنهم هربًا من التجنيد في القوات العسكرية، والهروب هنا، يكمن في عدم رغبتهم في تأدية الخدمة العسكرية، إذا كان الهدف من ورائها حماية وتعزيز سياسات الحكومة التي يعتبرونها معادية لهم.
أما النوع الآخر فيتكون من الأفراد الذين كانت لهم علاقة خاصة بالحكومة السابقة مثل رجال الحكم السابقين، وبعض ضباط الجيش والشرطة، ورجال الصحافة والمخابرات، وغيرهم من الداعمين والمؤيدين للحكومة السابقة.
إن أمثال هؤلاء غالبًا ما يكونون أكثر عرضة لبطش الحكومة الجديدة إذ تعتبرهم مجرمين سياسيين؛ بمعنى أنها ترغب في محاكمتهم عن الأعمال التي قاموا بها في أثناء وجودهم في الحكم.
إن هؤلاء الأفراد يفضلون الفرار إلى دولة أخرى، وطلب اللجوء السياسي فيها قبل أن تُلقي الحكومة الجديدة القبض عليهم، وشهدنا هذا النوع في أربيل أثناء الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية داعش، حيث أخذت الحكومة المركزية في بغداد تتهم جميع معارضيها السياسين بهتانًا بأنهم يدعمون التظاهرات والتنظيمات الإرهابية، لكن الأمر أخذ شكلًا أكثر عدلًا من ناحية السياسة التي اتبعها مسعود البارزاني مع هؤلاء، فقدم لهم اللجوء والحضن الواسع حتى ثُبتت براءتهم.