ما فائدة النقد ؟   

 

د . صباح ايليا القس

 

النقد بحسب مفهوم الادب القديم هو معرفة المحاسن والمساوئ في النص الادبي وكان الشعر الجاهلي معيارا لمعرفة مستوى القصيدة من الجودة من عدمها . ولم تكن للنثر قيمة كبيرة حتى منتصف العصر العباسي . اذ لم يكونوا حينها يعرفون الفنون الادبية النثرية بل كانوا يعرفون الرسائل التي اطلقوا عليها اسم التوقيعات وهي الرسائل المتبادلة بين المسؤولين عن البلدان ولنا في النابغة مثالا حين تطلّب الامر ان يكون حكما بين شعراء سوق عكاظ لا سيما عندما فاضل بين الخنساء والشاعر الاعشى ابو بصير قائلا له لو لا ان الخنساء انشدتني قبلك لقلت انك أشعر الناس .

كانت هناك ايضا المدارس الشعرية مثل مدرسة زهير بن ابي سلمى ومدرسة اوس بن حجر فمن الاولى نعرف كعب بن زهير ومن الثانية امرئ القيس ولكن لم نجد توجها نقديا يوحي بالتجديد اذ بقيت القصيدة الجاهلية على حالها حتى جاء الاسلام فانصرف الناس الى الدين بل وظفوا الشعر لصالح الدين لاحقا .

في العصور العباسية اخذ النقد المنهج التنظيمي كما في طبقات الشعراء كذلك كانت هناك كتب في النقد تعتمد في ذائقتها وتشريعها على المدونة الشعرية التقليدية معتمدة الاوزان الشعرية والقوافي ملمحا وثقافة لا يمكن تجاوزها ..

لا يمكن ان ننكر التطور الذي احدثه بعض الشعراء مثل لوحات امرئ القيس في معلقته وغزل عمر بن ابي ربيعة لاحقا وفن النقائض في العصر الاموي وخروجات الشاعر ابي نؤاس وبشار بن برد عن المألوف في الموضوعات لكن العمود الشعري ظل صامدا امام التطور المدني والسياسي فلم نعرف من التطور النقدي الا ما شاع في الاندلس من الموشحات وابتداء العناية بالنثر بالشرق العربي .

يبدو ان النقد بدأ يسير متسارعا منذ عصر النهضة العربية المعاصرة التي يشير اليها المؤرخون انها جاءت مع حملة نابليون على مصر وبدء عمل المطبعة التي جلبها مع حملته ولاحقا البعثات الدراسية الى فرنسا لا سيما ما جاء به طه حسين واقرانه من آراء التحديث والنقد فضلا عن البحوث والتدريس وما طرحته توجهاتهم الجديدة التي سرعان ما تلاقفها المتعطشون الى التجديد فكانت البذرة الاولى في استنطاق العقل النقدي العربي المعاصر .

ليس من الضروري ان يشير هذا المقال الى تاريخية النقد الادبي العربي تحديدا وليس المقال مسؤولا عن الدراسات النقدية وسيرة النقاد وعطائهم النقدي .. وليس للمقال الحق في تقديم الاحكام او اقتراح مسارات جديدة لا سيما بعد ان تشعبت المسارات في الشعرية خصوصا من القصيدة التقليدية الى قصيدة النثر الى آخر المستجدات في الشعرية العربية فضلا عن التجارب الروائية المتسارعة وسحب البساط من تحت اقدام الشعر الذي اصبح ثانيا بعد النتائج الابداعية في الرواية التي حازت بل وحصدت الجوائز في المسابقات الادبية المعروفة .

الاديب هو الناقد الاول لعمله الادبي بل وعليه متابعة الدراسات والبحوث النقدية مثلما يتابع تطور العمل الابداعي الذي يشتغل عليه اذ ان الامور تجري متسارعة في السباق المعرفي الذي لم يعد يقتصر على بلد معين او اديب معين اذ ان العولمة و وسائل الاتصال جعلت البعيد قريبا والتجارب الادبية تتسارع مع دوران دولاب المطابع .

قد يعجبك ايضا