متابعة ـ التآخي
مرة بعد أخرى يجري اكتشاف أهمية النباتات في الاستدامة البيئية، اذ نجح الباحثون في تحويل مخلفات أشجار النخيل إلى “فحم حيوي” باستغلال عملية التحلل الحراري البطيء عند 500 درجة مئوية، هذه التقنية توفر حلاً مستدامًا، لإدارة المخلفات الزراعية مع تحسين جودة التربة وتعزيز نمو النباتات.
تتوافر مخلفات نخيل التمر بكثرة في كثير من المناطق القاحلة وشبه القاحلة، مما يمثل تحديًا بيئيًا وفرصة لإدارة الموارد المستدامة.
في دراسة حديثة نُشرت في مجلة Scientific African، جرى جمع مخلفات النخيل، بما في ذلك الأوراق، والجريد، وسعف النخيل، وعذوق الثمار، من إحدى الواحات في جنوب شرق المغرب، وتحويلها إلى فحم حيوي عالي الكربون (70.74%)، يتميز ببنية مسامية تسهم في احتباس الماء والمغذيات داخل التربة.
تؤكد هذه النتائج على دور الفحم الحيوي كأداة مستدامة لتحسين التربة وحل بيئي مبتكر لإدارة مخلفات النخيل، مما يفتح المجال نحو زراعة أكثر استدامة وكفاءة في المناطق الجافة وشبه الجافة.
تقوم هذه الدراسة تثمين مخلفات نخيل التمر من خلال التحلل الحراري البطيء عند 500 درجة مئوية لإنتاج الفحم الحيوي المناسب لتحسين التربة الزراعية. جرت معالجة مخلفات نخيل التمر، التي تتكون من 41.95٪ سليلوز، و 28.49٪ هيميسليولوز، و 26.56٪ ليجنين، لإنتاج الفحم الحيوي بكفاءة إنتاجية تبلغ 44.95٪.
وقد أشار التحليل الوزني الحراري إلى الاستقرار الحراري، في حين كشف المجهر الإلكتروني الماسح عن بنية مسامية للغاية، مفيدة للاحتفاظ بالمياه واستعمار الميكروبات.
وتوضح هذه النتائج أن عملية التحلل الحراري البطيئة تنتج الفحم الحيوي بخصائص مواتية، مما يجعله تعديلاً واعداً لتخصيب التربة.
وتسلط هذه الدراسة حسب رشيد بوعمري الأستاذ بوحدة الزراعة الإيكولوجية، قسم حماية النبات والبيئة، المدرسة الوطنية للفلاحة بمكناس، بالمغرب المؤلف المشارك، الضوء على إمكانات إنتاج الفحم الحيوي في تحويل نفايات نخيل التمر إلى موارد قيمة مع التخفيف من التأثيرات البيئية والتكاليف المرتبطة بالتخلص منها.
أفادت الدراسة التي أجراها الباحث “النور” وآخرون بعائد أقل قليلاً بنسبة 35% باستعمال درجة حرارة تحلل حراري مماثلة (500 درجة مئوية) ولكن مع وقت تحلل حراري أقصر يبلغ ساعتين ونفس معدل التسخين (10 درجات مئوية/دقيقة).
ووجدت دراسة حديثة أخرى أجراها “الغامدي” وآخرون عائدًا عند 550 درجة مئوية، و3 ساعات، ومعدل تسخين 10 درجات مئوية/دقيقة، وهو أيضًا أقل من العائد المرصود.
تشير هذه النتائج المقارنة إلى أن التركيب الأولي للمواد الخام وظروف التحلل الحراري، بما في ذلك درجة الحرارة ووقت الإقامة في المفاعل ومعدل التسخين، يمكن أن تؤثر على إنتاج الفحم الحيوي، اذ تؤدي درجات الحرارة المرتفعة عمومًا إلى إنتاج أقل، ومع ذلك، هناك حاجة إلى مزيد من التحقيق والتحليل لفهم العوامل التي تؤثر على إنتاج الفحم الحيوي DP في ظل ظروف التحلل الحراري المختلفة.
يشير محتوى الكربون الثابت العالي إلى أن الفحم الحيوي مستقر للغاية ومقاوم للتحلل، مما يجعله بالوعة كربونية طويلة الأمد في التربة.
يظل الفحم الحيوي ذو المحتوى العالي من الكربون الثابت في التربة لمدد أطول، مما يحسن المادة العضوية في التربة ويساعد في عزل الكربون، وهو أمر بالغ الأهمية للتخفيف من تغير المناخ، فضلا عن ذلك، يزيد الفحم الحيوي المستقر من تهوية التربة ويعزز احتباس الماء، وهو أمر ضروري لتحسين بنية التربة وتعزيز نمو النبات.
يشير محتوى المواد المتطايرة المنخفض (9.01٪) أيضًا إلى استقرار أكبر للفحم الحيوي؛ تعني المواد المتطايرة المنخفضة إطلاق عدد أقل من المركبات العضوية المتطايرة من الفحم الحيوي عند تطبيقه على التربة، مما يقلل من خطر التأثيرات السلبية على نمو النبات أو الكائنات الحية الدقيقة في التربة.
ويسهم الفحم الحيوي ذو المواد المتطايرة المنخفضة في تحسين الموائل الميكروبية في التربة، وتعزيز نشاط الكائنات الحية الدقيقة المفيدة، تساعد هذه الميكروبات في دورة المغذيات، مما يجعل العناصر الغذائية الأساسية مثل النيتروجين والفوسفور أكثر توفرًا للنباتات.