متابعة ـ التآخي
دراسة حديثة أظهرت أن البيئة التي نعيش فيها تؤثر بشكل كبير على خطر الإصابة بالخرف. يظهر البحث أن تجنب التلوث والاستمتاع بمزيد من الوقت في المساحات الخضر يقلل من خطر الإصابة بالخرف بنسبة 10%.
ولقد وجد الباحثون أن تلوث الهواء والضوضاء المرورية يزيدان من خطر الإصابة بالخرف، في حين تساعد المساحات الخضر والمجتمعات التي يمكن المشي فيها في منع التدهور المعرفي.
وينبغي للمدن أن تعطي الأولوية للشوارع الصديقة للمشاة والمسارات المتصلة والأماكن العامة التي يمكن الوصول إليها، كما ينبغي تشجيع التطورات متعددة الاستعمالات التي تتيح للمساكن والمتاجر والخدمات الأساسية أن تكون على مسافة قريبة سيرًا على الأقدام.
هذه الدراسة تشدد على الحاجة إلى تصميمات حضرية تعمل على الحد من التلوث وزيادة المساحات الخضر لمنح الأجيال المقبلة بيئات أكثر صحة.
والخرف هو خطر صحي متزايد يؤثر على ملايين الأشخاص وأسرهم. ومع ارتفاع متوسط العمر المتوقع، يرتفع أيضًا عدد حالات الخرف، مما يجعل الوقاية أكثر أهمية من أي وقت مضى.
وبرغم أن العوامل الوراثية واختيارات نمط الحياة تؤدي دوراً في هذا، فإن الباحثين يتطلعون الآن إلى ما هو أبعد من العوامل الشخصية، فالبيئة التي نعيش فيها قد تزيد من خطر الإصابة بالخرف أو تساعد في حماية صحة الدماغ.
وتسلط دراسة حديثة أجرتها كلية الصحة العامة بجامعة جورجيا باميركا الضوء على تأثير البيئة المحيطة على خطر الإصابة بالخرف.
ونُشرت الدراسة في مجلة Aging Research Reviews ، اذ شرع فريق البحث، بقيادة البروفيسور سوهانج سونج، في التحقيق في كيفية تأثير البيئة على صحة الدماغ، وأظهرت النتائج أن تجنب التلوث وقضاء المزيد من الوقت في المساحات الخضر قد يقلل من خطر الإصابة بالخرف.
ويقول البروفيسور سونج “تظهر هذه الأرقام أن العيش في بيئة صديقة لمرضى الخرف مهم لتأخير أو منع التدهور المعرفي وظهور الخرف”.
وقام الباحثون بدراسة 54 تقريرًا بشأن كيفية تأثير البيئة على صحة الدماغ، وقاموا بتحليل 21 منها عن كثب لقياس التأثير بشكل أكثر دقة.
ووجد الباحثون أن تلوث الهواء وضوضاء المرور يزيدان من خطر الإصابة بالخرف، في حين تساعد المساحات الخضر وسهولة المشي في منع التدهور المعرفي؛ وبالتركيز على العوامل البيئية المقاسة بشكل موضوعي بدلاً من البيانات المبلغ عنها ذاتياً، تقدم الدراسة أدلة أقوى من الأبحاث السابقة.
إن العيش بالقرب من الطرق الرئيسة يزيد من خطر الإصابة بالخرف بنحو 10%، كما أن التعرض للجسيمات الدقيقة يزيد من خطر الإصابة بالخرف بنحو 9%، ويزيد التعرض لأكسيد النيتروز بنحو 10% أخرى، كما ارتبط تلوث الضوضاء بزيادة خطر الإصابة بالخرف بنحو 9%.
إن التعرض الطويل الأمد لتلوث حركة المرور ضار بشكل خاص. ترتبط جزيئات تلوث الهواء الصغيرة التي تسمى PM2.5 بفقدان الذاكرة والتفكير البطيء. ومع ذلك، فإن التأثير ليس هو نفسه في كل مكان. في بعض الأماكن، لم تجد الدراسات أي رابط قوي .
أحد الأسباب المحتملة هو أن الناس في تلك المناطق يغيرون سلوكهم – مثل البقاء في الداخل عندما تكون مستويات التلوث مرتفعة – حتى يتعرضوا لكمية أقل من التلوث، مما قد يقلل من آثاره الضارة على الدماغ.
يؤدي الوصول إلى المتنزهات والغابات والمسطحات المائية إلى خفض خطر الإصابة بالخرف بنحو 6%. وتعزز هذه البيئات النشاط البدني، وتقلل من التوتر، وتحسن جودة الهواء.
كما أن الأحياء التي يمكن المشي فيها مع سهولة الوصول إلى متاجر الأغذية والمراكز المجتمعية والرعاية الصحية تدعم أيضًا الصحة الإدراكية.
“وبناءً على هذه النتائج، يمكننا أن نقترح أن الناس يزورون المتنزهات أو الغابات بشكل متكرر وأن يعيشوا أيضًا بعيدًا عن الطرق الرئيسة”، كما قال البروفيسور سونج، “كما أن العيش في مجتمع حيث تتوفر إمكانية أكبر للمشي، أو بالقرب من المرافق المحلية مثل المكتبات ومراكز الرعاية الصحية وغيرها أمر مفيد”.
ينبغي للمدن المصممة مع وضع الصحة المعرفية في الاعتبار أن تعطي الأولوية للشوارع الصديقة للمشاة، والمسارات المتصلة، والأماكن العامة التي يمكن الوصول إليها.
إن تشجيع التطورات متعددة الاستعمالات، حيث تكون المنازل والمتاجر والخدمات الأساسية على مسافة قريبة سيرًا على الأقدام، يمكن أن يساعد في خلق بيئات أكثر صحة لكبار السن.
تؤكد هذه الدراسة على الحاجة إلى تصميمات حضرية تعمل على الحد من التلوث وزيادة المساحات الخضر. وينبغي للمدن أن تعطي الأولوية للحدائق العامة والشوارع الملائمة للمشاة وتحسين جودة الهواء لتقليل خطر الإصابة بالخرف.
يقول البروفيسور سونغ “إن الميزة الأكبر لهذه الورقة البحثية هي تحديد العلاقة بين عوامل معينة والصحة الإدراكية . يمكن أن يوفر هذا التحليل أدلة للتخطيط الحضري القائم على البيانات ودعم صناع القرار”.
كانت إحدى نقاط القوة في هذه الدراسة هي تركيزها على البيانات الموضوعية؛ فقد اعتمدت العديد من الدراسات السابقة على تقارير ذاتية، وهو ما قد يؤدي إلى التحيز. وقد استعمل هذا البحث عوامل بيئية قابلة للقياس، مما يجعل الاستنتاجات أكثر موثوقية.
ينبغي للدراسات المستقبلية، أن تستمر في استعمال الأساليب الموضوعية للتحقيق في العلاقة بين البيئة المحيطة وخطر الإصابة بالخرف.
إن فهم التأثيرات طويلة الأمد للتصميم الحضري والتعرض للتلوث وتخطيطات المجتمع يمكن أن يساعد في صياغة السياسات التي تعمل على تحسين نتائج الصحة الإدراكية.
ويأمل البروفيسور سونج أن تشجع هذه الدراسة على إجراء مزيد من الأبحاث حول كيفية تأثير البيئة على صحة الدماغ. وباستخدام الحلول القائمة على البيانات، يمكن للخبراء المساعدة في بناء مجتمعات تعمل على الحد من خطر الإصابة بالخرف ودعم الرفاهية.
إن الفهم الأفضل لهذه العوامل قد يؤدي إلى تخطيط حضري أكثر ذكاءً ومساحات معيشية أكثر صحة للأجيال المقبلة.