محمد هادي
أنتَ مِن شِدَّةِ القهرِ والليلِ تقطَعُ تذكِرَتيْنِ لِعُزلَتِكَ تقطَعُ كُلَّ الحاناتِ وتَسكُبُ رَأسَكَ، لم يبقَ شيءٌ يُلوَّنُ لا أنتَ لا نَشيدُها لا الأنينُ لا الأمس، تتَكئُ على نهدَيْها ثمَّ ترفعُها آخِرَ الليلِ قارورةً من الياقوت تَسكُبُها فوقَ صدرِ السريرِ وأنتَ تُغنِّي كمنْ يدَّعي أنَّهُ لمْ يَضعْ ونهنهني آخرَ ما تبقَّى مِنَ البكاءِ وكُلُّ المساءِ زجاجٌ هشيمٌ، يا رجائي رجاءَ الغمامِ أيُّ مركبٍ لهذا المساءِ الحزين؟ كلّما ظننتُني وصلتُ امتدَّتْ بي سككُ الحنينِ إلى حيثُ لا التفاتَ… ولا انتظارْ. وأنَّ رّفاقَ الأمسِ لا يعودونَ كما كانوا وأنَّ النهدَ إذا صعدَ في القلبِ أصبحَ منفى… أو صلاةً في الهواءْ. لم تتركْ شيئًا يُذكر سوى التذاكرِ ومذاقًا مُرًّا في حلقِ الرفاقِ. والآن… كلّما ناداني المساءُ باسمِها فتحتُ حقيبةَ قلبي ووجدتُها تضحكُ هناكْ. أغلقتْ نافذتها ما دَقَقتُ بابَها احترامًا لغفوتِ الوردِ وعشقٍ هائم ولكنْ تأخَّرَ حزني على البابِ رأيتُ مفاتيحَ غُرفتِها ومَشابِكَها ومَشَدَّاتِها، وشراعاتِ الانتظارِ التي حملتها أيدٍ مسكِرَةٍ في مواني الهموم. وأنتَ دخلتَ مَواويلَ الحزنِ وحدَكَ تَحْمِلُ نَفسَكَ كَجرحٍ يُحاذِرُ صَوتَهُ تَبكي بُكاءَ الحيطانِ المَصلوبَةِ في آخرِ الدَّربِ والسُّكارى يَنامُونَ في عَينَيكَ حُزنًا. لم يبقَ من نجمتَيكَ إلا بُقعَتانِ شاحبتانِ تبتسمانِ مثلَ وجهٍ أُلقيَ عليهِ قناعٌ مثقوبْ. كأنَّهما يسخرانِ منكَ ومن كلِّ الخرابِ الذي صرتَ عليهِ.