صبحي مندلاوي
في قلب الأزمات والتحديات، حيث يتلاشى الضوء في مدن العراق لسنوات طويلة، تنهض حكومة إقليم كوردستان بمشروع “روناكي”، لتقول بوضوح: الكهرباء ليست حلماً مستحيلاً، بل حقٌ لكل مواطن. هذا المشروع، الذي يُعدّ واحدة من أهم إنجازات الإقليم، لم يكن مجرد قرار إداري، بل كان التزاماً بتحقيق حياة كريمة للمواطن، في وقتٍ ظلّ فيه العراق كله يعاني من أزمة كهرباء خانقة، ليس فقط طوال أكثر من خمسةٍ وعشرين عاماً، بل حتى في ظل النظام البائد .
لكن، وكما هو متوقّع، لم يرقَ ذلك للبعض فبدأت الأبواق المأجورة تدقّ طبول الأزمة محاولةً خداع المواطنين بسيلٍ من الأكاذيب، تدّعي أن دفع فواتير الكهرباء وفق مشروع “روناكي” سيكون أكثر كلفة من الاعتماد على المولدات الأهلية. أيُّ منطقٍ هذا؟ وكيف يمكن لعاقلٍ أن يصدّق أن منظومةً كهربائيةً متكاملة، تضمن الطاقة على مدار 24 ساعة، ستكون أكثر كلفةً من أصوات المولدات التي أثقلت جيوب المواطنين وحياتهم؟
الحقيقة التي لا يريدون قولها واضحة: ما هو مطلوبٌ اليوم ليس أكثر من ترشيدٍ بسيطٍ في الاستهلاك، تماماً كما تفعل كل دول العالم. الكهرباء ليست مجانية في أيّ مكان، ولكن الحكومات الرشيدة تعمل على توفيرها بأقل كلفةٍ ممكنة، مع ضمان استمراريتها، وهذا هو جوهر مشروع “روناكي”.
إن حكومة إقليم كوردستان لم تكتفِ بضمان الكهرباء فقط، بل تحمّلت التبعات المالية والاقتصادية من أجل إنجاح هذا المشروع. لأن المسألة ليست مجرد خدمة، بل هي جزءٌ من رؤيةٍ أوسع، هدفها وضع حدٍّ لمعاناة الناس، وقطع الطريق على تجّار الأزمات.
إلى جانب الفوائد الاقتصادية، فإن مشروع “روناكي” يحمل بُعداً بيئياً لا يقلّ أهمية. فالمولدات الأهلية لم تكن مجرّد عبء مالي على المواطنين، بل كانت مصدرَ تلوّثٍ قاتل، ينفث سمومه في كل شارعٍ وزقاق ، الأدخنة السوداء التي تملأ السماء ليست مجرّد مظهرٍ مزعج، بل هي غازاتٌ سامةٌ تتسبب في أمراضٍ تنفسيةٍ خطيرة، وتزيد من نسب التلوث في الهواء، مما يؤدي إلى تفاقم حالات الربو وأمراض القلب والرئة، وخاصةً لدى الأطفال وكبار السن.
لقد أثبتت الدراسات أن المدن التي تعتمد على المولدات تعاني من نسب تلوثٍ أعلى بكثير من غيرها، مما يجعلها بيئةً غير صالحة للحياة الصحية. وهنا يأتي دور “روناكي”، ليس فقط لضمان الكهرباء، بل أيضًا للحفاظ على بيئةٍ نظيفة وهواءٍ نقي بعيداً عن السموم.
المعادلة واضحة؛ إما الاستمرار في الاعتماد على المولدات وما تسببه من أمراضٍ وتلوثٍ واستغلال، أو الانتقال إلى نظامٍ متكامل يوفر الكهرباء باستمرار، مع حماية البيئة وصحة المواطنين.
إن “روناكي” ليس مجرد مشروعٍ كهربائي، بل هو قرارٌ ستراتيجي لإنهاء عصر التلوث والاعتماد على الحلول البدائية، ووضع حجر الأساس لحياةٍ أفضل، يكون فيها النور متاحًا للجميع، دون أن يكون ثمنه صحتهم أو بيئتهم.
فلنترك الأصوات المأجورة وراءنا، ولننظر إلى المستقبل بعين العقل والمنطق بيئةٌ نظيفة، وكهرباءٌ مستقرة، ومستقبلٌ أكثر إشراقًا.. هذا هو “روناكي” الحقيقي
وليدرك المواطن الكوردستاني جيداً أن ما بين يديه اليوم هو فرصةٌ لم يحصل عليها منذ عقود: كهرباء مستمرة، بأقل كلفة، و بيئة نظيفة بدلاً من الانسياق وراء الدعايات المضلّلة، فلنتعلم كيف نحافظ على هذا المكسب، ونحمي حقّنا في حياةٍ مستقرة، بلا ظلامٍ ولا استغلال.