دمعُ الفخّارِ على رُخامِ النسيان ..

الصحافي حيدر فليح الشمري

في زوايا المتنبي ، حيثُ تُنقشُ الأحلامُ طينًا ، ويُطرَّزُ المجدُ أوتارًا ، وتُصبغُ الأرواحُ بالألوان ، جلس مصطفى الكوازُ يعجِنُ الأرضَ بأنامله ، يَحفرُ على التُنگةِ شواهدَ التاريخِ المنسيّ ، ينقشُ دجلةَ والفراتِ وشطَّ العربِ بثلاثِ خطوطٍ شامخة ، يخطُّ الشمسَ التي سجدَت لها سومرُ وآشورُ ، ويرسمُ السعفةَ شاهدةً على نقاءِ الماءِ ، ويلمسُ الثيلَ وكأنّهُ يُعيدُ للطبيعةِ خضرتها الأولى ، يتهادَى بصوتهِ العتيقِ مردّدًا : “هاي أحسن دادا… يزي عاد اشتريها ، كلش حلوة” .
على قارعةِ الزمنِ ، كان فلاحُ البغدادي يعزفُ عودَهُ ، وترٌ من دمعِ النهر ، وجرحٌ من خيوطِ الشمس ، ونغمٌ يوقظُ الحنينَ في قلبِ بغداد ، على مقربةٍ منه ، يُمسكُ أبو زيد فرشاتَهُ ، يخلطُ الألوانَ بذاكرةِ المدينةِ ، يحيي ملامحَ الأجدادِ فوقَ قماشِ الحاضر ، فتشعُّ الوجوهُ بحياةٍ أُخرى ، لا يطويها الإهمالُ ولا تنكرُها العيون .
لكنّ أمانةَ بغدادَ جاءت ، فرفعتِ الطينَ عن موطِنه ، وسكتَ العودُ في مهدِه ، وذوتِ الريشةُ في مهدِ الفنّ ، أزيلَ الفخارُ من مكانهِ ليُوضَعَ بدلاً منهُ ( حاوياتُ القمامةِ ومقاعدُ النسيان ) .!
وهل يُستبدلُ الجمالُ بالتفاهاتِ ؟
هل يُطفَأُ وهجُ التراثِ بمزاجِ العابري ؟
رحلَ أبو الطينِ ، وبقيتِ التُنكةُ شاهدًا مكسورًا ، كما تكسِرُها الصابئةُ يومَ رأسِ السنةِ ، وكما يُفتّتُها أهلُ الجنوبِ في آخرِ صفرٍ ليندثِرَ الشرّ بعيدًا ، لكن من يُفتّتُ هذا الظلمَ ، ومن يُرمّمُ هذا الخراب .؟
يبقى سؤال يبحث عن يد حقيقية تساعد هؤلاء بالرجوع إلى أماكنهم من جديد …

قد يعجبك ايضا