د. توفيق رفيق التونچي
“لا تفكر لها مدبر”
رمضان شهر للتأمل يراجع المؤمن نفسه ليتفكر في خلق الله وامور دنياه. بهذه الجملة البسيطة التي ذكرتها في بداية هذه المادة نلغي وظيفة العقل وتحيله إلى التقاعد . ان رفض التفكير العقليّ وغلق اهم ميزة بشرية من عليه الرحمن على البشر دون الأحياء الأخرى ودعي اليه الرحمن في الذكر الكريم والى تفعيلة مرات عدده أي تفعيل وظيفة “العقل” بالتفكير والتأمل حتى ان يكون تفكيرا سويا. العقل بمفرده ورد تسعة وأربعون مرة وكذا اشتقاقاته وورد جملة
“لعلكم تعقلون. ” ثلاث مرات في المصحف الشريف، فتأمل قليلا.
هناك كذلك مقولة تنسب للفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه مفادها؛
“لو عرضت الأقدار علي الإنسان، لأختار القدر الذى اختاره الله له”
وترك الأمر بعد العمل وهنا “القدر “وترك الاختيار الأفضل لمشيئة الرحمن واجب ديني ولا علاقة به بالإتكالية لان الفعل الإنساني قد حصل اولاً. الخالق عز وعلى وفي الذكر الحكيم يحث الإنسان على استخدام العقل والسعي وترك الاتكالية.
نرى كذلك بان تلك الكلمات كانت في بداية الدعوة والدخول إلى الدين الجديد عن طريق حث الكفار على التفكير والتأمل في خلق الله ونبذ القديم منً عبادة الأوثان طريقة الآباء والأجداد كما ذكر تعالى في سورة المائدة الاية ١٠٤.
” وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۚ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُون.”
لست هاً هنا، لا سامح الله بصدد كتابة مادة عن الدين والتفسير فذاك له علمائه وتبقى خارج معارفي وعلمي . ولكني ارى بان ورود تلك الكلمات جاءت لهدف معين في النص السماوي. وخاصة كلمة “السعي ” اي الفعل البشري ببذل الجهد والعمل ، وللكلمة معاني أخرى، اي ما كسبه لنفسه في حياته وبعد مماته ينقطع عمله وكما ورد في سورة النجم الاية ٣٩:
”وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ ”
التجربة الإنسانية بصورة عامة حينً تركت حرا كي تغادر حدود السقف المعرفي وتحررت من الجهل والأمية وتمكنت من صنع جميع الاختراعات والاكتشافات وفي جميع نواحي الحياة. تلك التي كانت في عداد المستحيل كالطيران واختراعات أجهزة الاتصالات والتلفاز والتلفون والكومبيوتر وصولا إلى الذكاء الصناعي والسفر الى أقطاب السماء ولا ندري ما يخفي المستقبل وتلك من الغيبيات وعلمه عند الرحمن . وكيف لا انظر واتامل العظمة ألاهية في نص سورة الرحمن الاية ٣٣ قوله تعالى؛
“يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا ۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ”
” كلمة “السلطان” لها اكثر من معنى في اللغة. واذا توقفنا في هذه الاية الكريمة نرى وجود ارتباط وثيق بين كلمة استطاع وكلمة السلطان. هذا الارتباط يعني استخدام العقل والمعرفة اي السلطان حتى لاكتشاف الفضاء وهنا ياتي الأمر الإلهي فأنفذوا . وتعطي دلالات مستقبلية واضحة. مقولة:
“ولا غالب إلا الله”
تجدها منقوشة على الحائط في معظم قصور الأندلس ولا يهمنا اليوم من رفعها ولأول مرة ولكنها وصلتنا عبر دهر من الزمان. تمجد تلك المقولة الرحمن وبقت خالدة كنقش عبر الزمن وتوالت عليها الملوك والأمراء والأغنياء لكن الأيادي لم تتطاول لمحوها وستبقى خالدة تلك الكلمات. أهدت الأندلس خلال أكثر من ثمانية قرون للبشرية علماء تمكنوا جميعا تجاوز المقولة التي ذكرتها في بداية هذه المادة ولا ريب ان تقدم القارة الأوربية بعد ما تسمى بالفترة المظلمة تعود إلى هؤلاء والى تلاميذهم وحتى معظم الجامعات الأوربية تجد أسسها في المدرسة التي بدءها هؤلاء العلماء في قرطبة و طُلَيْطِلَة وملقا وغرناطة وأشبيلية والمدن الأندلسية الأخرى . التي قدمت للبشرية العلوم والمعارف وعلماء قدور ما من عليهم الرحمن من مليكة العقل والتفكير. لست الوحيد الذي ارجح واقدم العقل وعدم تعطيلها فهناك الملايين اليوم لا يقومون باستخدامها رغم أنها موجودة فعلا في راس جميع البشر.
فتأمل قليلا! ورمضان كريم ومبارك على الجميع
السويد
٢٠٢٥