” الارهاب كالرَعْدْ في الربيع حيث تصدر صوتاً قوياً وقرقعة وضجيجاً، لكنها لا تهب الخير للأرض”.

البارزاني الخالد

 

 

اعداد: عدنان رحمن

اصدار 11- 3- 2025

 

مع اطلالة شهر آذار وتزامنها مع مناسبات عديدة تختص بالبارزاني الخالد، نود ان نورد رأيه في الارهاب كما في العنوان، الذي هو بعضاً مما ذُكِرَ عنه في مختلف المواضيع والشؤون سواء العامة او الخاصة التي تُعنى بشؤون الكورد في كل انحاء كوردستان الأربعة. فهو كثير، وكثير جدا. ففي كتاب بعنوان ( البارزاني وشهادة التاريخ)، الذي ترجمه عن اللغة الروسية الثنائي ( د. باقي نازي، و عبدي حاجي) الصادر عن الدار العربية للموسوعات- بيروت- لبنان، التي سمحت مؤسسة سـپـيرز بنشرها بطبعتها الاولى في العام 2006، ففي عنوان فرعي في الكتـــــــاب ( الى القاري الروسي)، الذي كان بقلم خوشافي بابكر- ممثل حكومة إقليم كوردستان في روسيا. قد ورد:

– ” نلفت انتباه القارئ، إن هذه المجموعة من المقالات الخاصة في هذا الكتاب هو الأول من نوعه باللغة الروسية حول حياة ونــــضال البطل القومي الكوردي الجنرال مصطفى البارزاني ( ۱۹۰۳- ۱۹۷۹) ” الخالد” الذي سُمّي بين الشعب بملا مصطفى تحبباً واحتراماً. لا نغالي إذا قلنا إن البارزاني يعتبر من أشهر القادة والسياسيين الكورد بعد صلاح الدين مِمّن أنجبهم الشعب الكوردي. إن هذه الشخصية التاريخية، ليس فقط ذو أهمية إقليمية، وإنما له مكانته العالمية ايضاً، وبفضل نضاله تحركت القضية الكوردية وتصاعدت من نقطة الصفر لتبلغ مرحلة نجني ثمارها اليوم. عندما قاد البارزاني الحركة القومية لم ينطلق من نضال جزء واحد من حركة الكورد في العراق أو إيران أو تركيا… لذا أصبح رمزاً للنضال ليس في كوردستان العراق وإنما للكورد جميعا. وكان أول من تعامل مع الدبلوماسية بمهارة وحنكة وأجادها، وطرح القضية الكوردية على الميادين العالمية في الوضع العالمي الذي كان مقسماً بين قطبين، استطاع أن يناور بين الكــتلتين لصالح القضية الوطنية، لذا كان يسمى تارة ب (( الشيوعي)) وتارة أخــــــــرى بـ (( الإقطاعي)) أو (( الشخصية البرجوازية)) وقد كان ينطلق دائماً من مصلحة الشعب الكوردي. لقد كان البارزاني دائما مع شعبه، كان لديه حس وطني وشعور بالمسؤولية والتضحية بالذات في أقصى درجاتها. كل ذلك كان نابعا من الجو التربوي الذي كان يسود منطقة بارزان. حيث كان يعيش اليهود والمسيحيين والمسلمين بوئام، وكان يسود المنطقة نوعاً من المساواة الاجتماعية، كل ذلك بفضلة العائلة البارزانية. جدير ذكره ان الآشــوريين كـ ( مسيحيــــــــــــــين) واليهود لم يعيشوا فقط بوئام مع الكورد ( المسلمين) فحسب، بل شاركوا في جميع الانتفاضات التي قام بها الشعب الكوردي. لابد من الاشارة إلى خاصية الجو العائلي الذي تكونت فيه شخصية البارزاني. لقد ترعرع في احضان الطريقة النقشبندية التي تزعمها والده واخواه الشيخ عبد السلام والشيخ أحمد، مع العلم ان أخويه كانا بعيدين عن التعصب الديني، وقدّما مساعدات كبيرة وقيمة للأرمن إبان محنتهم وإبادتهم من قبل الأتراك. لقد كان البارزاني يتقاسم مع الشيخ أحمد أفكاره في الإصلاحات الدينية، ويبقى في ذاكرة البارزانيين كمصلح ديني متميز على سبيل المثال لا الحصر. حَرَّمَ الشيخ أحمد في منطقة برزان، قطع الشجر، وصيد الحيوانات والطيور، واستثنى منها الأفاعي السامة. مستخدما مكانته الاجتماعية في منع الزواج القسري، وتزويج الفتيات والشباب عند رفض اهل أحد الطرفين ان أرادا ذلك. ان فلسفته وتعاليمه الأخلاقية ما زالت مرعية وسارية في برزان حتى الآن. ان مصطفى البارزاني ذاته، الذي كان من دُعاة التقدم كان يُكِنْ احتراماً عميقاً للعادات والتقاليد الاجتماعية. ان روح المحافظة الحقيقية عند البارزاني بخلاف عقلية التخلّف ساعدته على قطع دابر الطريق أمام انصاره الذين كانوا يسعون إلى تبني الأفكار الراديكالية التي اعتبرت كموضة للعصر، وركز على الافعال لا على الأقوال. واعتبر نفسه خادماً لشعبه، ولم يسمح لنفسه بالتكّبر على الآخرين، كما لم يسمح لأيِّ كان بتصغيره والحد من مكانته، لقد كان عظيماً وبسيطاً في آن واحد. ان البذرة التي زرعها قائدنا، أعطت نتائج عظيمة، ولعل أفضل هدية تُهدى لذكرى مئوية ميلاده هي تلك التغيرات الجارية في كوردستان العراق، بفضل الدَور الفعّال للحزب الذي أسسّه، حيث بانَ النور في نهاية النفق للشعب الكوردي. نقف على الطريق الصحيح الذي يؤدي بالشعب الكوردي ذو الأربعين مليوناً إلى الانضمام إلى عائلة الأمم.

 

 

 

 

 

ان هذا الكتاب يضم بين صفحاته، نصوص أدبية وعلمية عن ابن الشعب الكوردي البار مصطفى البارزاني. ان نص دينيس كوماروف يثير الانتباه، مع العلم انه علمي وتاريخي بحت عن مراحل نضال وحياة البارزاني. وهذا أول عمل له باللغة الروسية. ومذكرات كيسيلوف مهمة جداً، حيث يُدين له الشعب الكوردي، لانه انقذ الملا مصطفى في عام ( ١٩٦٢) بوجود مؤامرة لاغتياله. وفي هذه المجموعة أيضا خاطرة الكاتب الكوردي باقي نازي المميز بنكهته الأدبية والانطباعية. لابد من الاشارة أيضا لمقالة صديقنا المحترم والعالم الشهير في مجال الاستشراق الروسي ميخائيل لازاروف. وأنا مسرور أيضاً لان القارئ سيحظى بقراءة مقالات الأكاديمي شاكر محو. ان يوم صدور الكتاب في موسكو عن مصطفى البارزاني سيكون له مكانته في تاريخ العلاقات الكوردية الروسية، وهنا أجد واجباً عليَّ الاشارة لها ألا وهي الجهود التي بذلتها هيئة إعداد الكتاب لا سيما ما بذله من جهد پافر شختمان لتحضير ونشر هذا الكتاب. وفي الختام، ينبغي الاشارة إلى الانسان الذي ساهم في تحضير هذا الكتاب ولكنه رحل قبل الأوان، انه الكوردي الوطني والناشط في مجال الثقافة الكوردية تيتال عفو. من المؤسف انه غادر قبل ان يطبع الكتاب، لكن ذكراه ستبقى في قلوبنا إلى الابد”.

وفي عنوان فرعي آخر في الكتاب نفسه، الذي كان ( المسافة والمراحل وحكم التاريخ) للاستاذ ( باقي نازي) ورد:

– ” لعّل كل امرئ يخشى المسافة التي تفصل ما بين ماضيه وحاضره حيث تعتبر هذه المسافة السيرة الذاتية للانسان، وهي قد تحتوي على مشاعر الخوف والندم أو الشعور بالذنب والخطيئة أو الشعور بالعزة والفخر والنجاح وفي النتيجة يقدم كل انسان حساباً بأعماله لنفسه وللآخرين معاً. ان السيرة الذاتية للانسان تنطوي على صفحات مقروءة وأخرى منسية وأخرى تحتوي على اسرار للكتمان. أما سيرة حياة البارزاني، فتشكّل استثناءاً لهذه القاعدة العامة. إنّ مَن عَرِفَهُ عن قُرب وعاش معه ومَن دَرس سيرته الذاتية، يجمعهم رأي واحد، وهو ان البارزاني لم يخطو في حياته خطوة واحدة يمس بالكرامة الانسانية، وحافظ دائماً على مكانته وشرفه مهما كانت الظروف والمصاعب التي حلّت به. ولم يفقد ثقته بنفسه، على الرغم من اختفاء الضوء في نهاية النفق أحيانا كثيرة، وقد تميز البارزاني أيضا وفق آراء مرافقيه في نضاله بأن الخوف لم يجد له طريقاً إلى قلبه أبداً. وان ثقة أنصاره وشعبه به كانت نابعة من ثقته المطلقة بمستقبل واعد ان قلّة من الناس يستطيعون التحكم بمشاعرهم سواءاً بعد الانتصار أو الهزيمة، والذي يملك القدرة على التحكم في نفسه في هذه الأحوال، لا شك يحمل صفات العظمة. لقد كان البارزاني من هؤلاء القلّة. إذ انه بعد الهزيمة في المعركة كان يجمع قواه للتحضير إلى معركة جديدة. وبعد الانتصار كان لا يفقد صوابه، أي انه لم يكن يفقد الثقة بعد الهزيمة والتواضع بعد الظفر؛ لذا أحبّه الشعب وكان يُكِّنُ له الاحترام. وهذه الميزات هي التي جعلته خالداً في ذاكرة الشعب. قلّما يحدث في التاريخ عندما يقترن اسم قوم بإسم شخص. لقد كان البارزاني واحداً من هؤلاء النوادر الذين ارتبط اسمهم باسم شعبهم. وهنا اتساءل هل هناك عظمة تفوق هذه العظمة؟. وقلما يحدث ان شعبا ما، عندما يسأل عن هويته القومية والوطنية، يكون ذلك بفضل شخص بعينه. انا شخصياً انتمي إلى ذاك الجيل الذي وعى على حسّه القومي بفضل شخصية البارزاني بعد ان كان حدود الوطن في مخيلتي لا تتعدى حدود مدينتنا الصغيرة، في وقت كان الانتماء الديني ينوب عن الانتماء القومي. وعندما كُنا نسأل: (( مَنْ انتم؟)). كُنا نجيب نحن مسلمون. ان جيل تلك المرحلة كان يفكر بهذه الطريقة ويتصرف ضمن هذا الاطار والفهم، لكن عندما عاد البارزاني من الاتحاد السوفيتي بدأت الموجة القومية عند الكورد تطغى على سواها من دينية وعشائرية في داخلنا، وباندلاع ثورة ايلول بدأت مرحلة جديدة في تاريخ النضال القومي في عموم كوردستان. وهنا لا بد من الاجابة على ما يلي: ما الذي أعطته هذه الثورة؟ وأية آثار خلفتها؟. بالحقيقة يجب القول ان جميع السياسيين من الكورد المعاصرين اينما كان موقعهم، وأيا كان موقفهم، مدينين لهذه الثورة- الانتفاضة- وهم ابناء البارزاني الخالد. لذا نستطيع القول بثقة: ان افكار وأعمال البارزاني ما زالت حيّة بيننا حتى الآن. مرة أخرى: ماذا عن المسافة وحُكم التاريخ؟. منذ النقطة التي انطلقنا منها في وعي ذاتنا والى يومنا هذا، مسافة طويلة، وما كنّا نعتبره خطأ في سياسة البارزاني حسم التاريخ قراره بها وتبين بأننا نحنُ كُنا مُخطئين. على سبيل المثال كنا نتساءل لماذا لا يلجأ البارزاني كالحركات الثورية الأخرى في تلك الفترة إلى اسلوب الارهاب!؟. آنذاك دخل الارهاب كموضة للعصر، وكان يحبذه الجيل الناشئ حتى بدا خطف الطائرات عملا رومانسيا. من جهة أخرى كان اعداء الكورد يستخدمون جميع الاساليب القذرة، كانوا لا يرحمون الاطفال والنساء، ويُقتل الأسرى. وبالمقابل عندما كان أحد الـپـيشمرگـه يود الانتقام والرد بالمثل كان البارزاني يمنعهم بالقول: (( يجب ان لا نفعل كما يفعلون)). وأسأل ثانية: لماذا لم يلجأ البارزاني إلى اسلوب الارهاب؟. ان الاجابة على هذا التساؤل يَرِدُ على لسان معاصريه حيث كان يُشبّهْ الارهاب بالرعود في الربيع حيث تصدر صوتا قويا وقرقعة وضجيجا لكنها لا تهب الخير للأرض. حتى انها قد تسبب الأضرار، أما النضال القومي فكان يشبهه بالامطار التي تهطل في الوقت المناسب، وعلى ان الثورة الوطنية يجب ان لا تسبق الزمن لا سيما النضال القومي الكوردي، حيث تتطلب الصبر والتأني والنَفَس الطويل. والأهم من ذلك ان القضية الكوردية عادلة. لذلك اذا كانت الحقيقة والعدل إلى جانب الكورد، فلماذا اللجوء إلى عمل يسيئ اليها!؟. إنّ أيّة قضية قومية وعادلة لا يجوز تشويهها وتحويلها إلى قضية خاطئة. مِنَ المعلوم ان احدى اسباب الهزائم التي كانت تلحق بالكورد هو تحليهم بالقيم والمبادئ والأخلاق الانسانية، حتى في المعارك مع اعدائهم، حتى انهم كانوا يعتبرون قتل العدو من الخلف عملا غادراً؟ وما الارهاب إلا شكلاً من أشكال الغدر. ومع انه كان مغرياً، وكان يمكن تبرير اللجوء إلى مثل تلك الاساليب إلا انهم رفضوه. يبدو ان الاصالة القومية والانسانية في شخصية البارزاني ” الخالد” جعلته يتجنب هذه الاساليب في نضاله. لقد استخدم اعداء الكورد كافة أساليب الابادة، وليس فقط افقاره وحرمانه من حقوقه، فضلا عن تَحيُز القوى الدولية ولا مبالاتهم تجاه مآسي الكورد ومصيره ممّا حولهم إلى شركاء في الاعتداء على الشعب الكوردي، ومع ذلك لم يتخلى الكورد عن توجههم الانساني ولم يردوا على إرهاب الدولة بإرهاب مُضاد. لقد رفض البارزاني نهج الارهاب مع ان الدول العظمى لجأت إليها كلما سنحت لها الفرصة ومتى رغبت في تصفية المناوئين لها عن طريق عملائها مثلا. وكان البارزاني على عِلم بذلك، لكنه بَقيَ مُحافظاً على موقفه وموقعه. ان دوافع ذلك قد يكون الحسّ الداخلي والعادات والتقاليد القومية والعائلية له. وقد يكون البُعد السياسي، ومهما يَكُن السبب فقد كان على صواب. و بفضل هذا النهج الصحيح، حافظت الحركة الوطنية الكوردية على سُمعتها على النطاق العالمي ولغاية اليوم. المسافة والمراحل وحكم الزمن… جميع هذه الأبعاد تفصله عنا، ان المسافات التي تُقاس بالأعوام طويلة والمراحل التي تقاس بالأعمال والمآثر الممزوجة بالعَرَقْ والدَم، يَصعُب نسيانها. ومع ذلك فالحُكم في النهاية للتاريخ والكلمة والقرار له ويَحكُم دون مواربة أو تحيز. ان البارزاني اصبح خالداً في ذاكرة شعبه وكم يود هذا الشعب لو عاش بينهم أبداً. وهنا تنطبق هذه الرغبة مع ما قاله مكسيم غوركي عن تولستوي: (( يا الهي اعمل استثناءاً واجعله خالداً)) ان تولستوي قد مات لكنه بقي حياً إلى الأبد. ان البارزاني قد مات جسداً لكنه ما زال ماثلاً امامنا بروحه وفكره وأصبح مَثلاً لنا. عندما حدثت تراجيديا ( زيوا) كان البارزاني قد فارقنا زهاء ٨ سنوات. لكن عندما وقفت أمّا كُوردية على اشلاء الجثث الذين قتلوا من جراء قصف الطائرات الصدامية وهي تَرفعُ يديها إلى السماء مُنادية: ( أيها البارزاني ألا ترى ما يفعلون بنا؟!)). وما ان نطقت المرأة بتلك الكلمات حتى اختفت المسافات واحترقت المراحل. لقد نفذ الزمن حكمه وقال كلمته والقرار غير قابل للطعن، فمهما قلب التاريخ صفحاته سيبقى اسم البارزاني مدونا أبداً، وليس من باب الصدفة عندما يذكر ابناء شعبنا اسم البارزاني فيضيفون إلى جانبه كلمة (( الخالد))”.

قد يعجبك ايضا